الثلاثاء 18/10/1444 هـ الموافق 09/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الأنوثة تُباع بالكيلو....شوقية عروق‎ منصور

بعد ان كانت المرأة "الحيط المايل" تاريخياً وتراثياً، اصبحت الآن ايضاً "الحيط الواطي"  للأنظمة العربية وحلولها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، اذ تنط هذه الأنظمة من فوق" الحيط  الواطي " بحثاً عن ثغرة تَنفذ منها لكي  تُثبت مواقعها وكراسيها وفشلها القيادي  .

 على اجندة الحكومات العربية ارقام واحصائيات في جميع المواضيع  تفرزها الوزارات المختلفة  ، و شعوب العالم تعتبر الأرقام و الاحصائيات اشارات حيوية  على طريق تطور المجتمعات والابداع والرقي  والنهضة، ورعاية المواطن وتحسين ظروفه وبالتالي شعوره بالأهمية والكرامة  ، فهذه  الأرقام والاحصائيات اشارات وأدلة دامغة تُعبر عن مدى عمق الأزمة الحضارية والحياتية   التي يحيا فيها الإنسان بجميع نواقصها وحرمانها .

في الفترة الأخيرة تطور علم الإحصاء وصعد الى مجالات بعيدة كانت سابقاً لا أهمية لها، او كانت  تحيا على الهامش والخوض فيها كان نوعا من الترف والفراغ .

 من بين هذه الاحصائيات التي فتحت الابواب على صفحات الصراحة واخترقت الخوف والخجل   قضية "العوانس والمطلقات والأرامل في الدول العربية" خاصة في ظل الحروب وظهور الفصائل الإرهابية و الوجوه الداعيشية، والأنظمة السياسية التي تعيش في فوقية بعيدة عن حياة المواطن الذي وجد نفسه في ورطة الجوع والقهر والدمار والخداع  .

 ان  الكشف عن " أزمات النساء العربيات " تحول الى اتهام مبطن لحركة المجتمع وللرجل  ، الا ان وجود هذه الظاهرة القى على الحيط الواطي – المراة – ولم تتهم الانظمة السياسية بذلك .

 فأعداد العوانس والمطلقات والارامل  في الدول العربية متباينة حسب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل دولة  ، والاحصائيات عادة  لا تشير الى الارقام  الصحيحة  ومشكوك في مصداقيتها ، لان التغيب ما زال السيد المسيطر في هذه الدول  ودائما نجد الحقائق ملفوفة بورق التوت والخداع .

و مع اننا في عصر الاحصائيات ، والأرقام هي طبقة الكريما فوق كعكة الدولة التي تتباهى بانجازاتها عبر توفير اقصى ما يحلمه المواطن   ، و هناك مباريات ومسابقات غير مرئية بين الدول من يوفر السعادة اكثر لشعبه ؟  ومن يمنح المواطن السعادة  والتعليم والعلاج والحياة للأجيال القادمة ؟ إلا أن  اول من بدا يشير الى ظاهرة العنوسة والارامل من الدول العربية  "العراق" اذ الحرب على العراق ما زالت تنهش أعمار الشباب والاقتصاد ، عدا عن عدد كبير  من الرجال سقطوا في الحروب مخلفين وراءهم  زوجات دخلوا في خانات الارامل  ، و قتل الآلاف  من الشباب الذين كان من الممكن ان يدخلوا "اقفاص" الزواج ، وتحولت قضية  الارامل والعوانس الى ظاهرة اقلقت بعض العراقيين  مما حدا ببعضهم  الخروج  والاعلان عن حل (كل من يتزوج بأرملة او مطلقة  سيدفع له مبلغا من المال ) وفتحت اسواق المزايدات لبيع المرأة  بالكيلو ، كيلو العانس تختلف عن كيلو الارملة ، وازدهرت تلك الاسواق التي فتحت شهية الاستغلال الذكوري لأزمة الانوثة التي لوثتها الحرب ولا نعرف الى اين وصلت الحكومة العراقية في هذا الموضوع الذي لم يتحدث ولم يظهر ارقام  المتسولات او اللواتي  سافرن الى الدول العربية للعمل في مجال  الدعارة او خدمة البيوت من اجل لقمة العيش ، والطريف ان لا احد اشار بأصابع الاتهام نحو الحكومة العراقية او نحو الحكومات السابقة التي اوصلت المرأة الى حد البيع المزري .أيضاً الحرب على  سوريا حيث سقط الآلاف الشباب ومصير المرأة وضع على كفوف العفاريت ، عدا عن الهجرة إلى الغرب ،  كذلك الحرب على اليمن، والحرب على ليبيا  . 

 لا نريد القول ان  مسلسل (عايزة اتجوز) الذي عرض سابقاً على الشاشات العربية ،فجر دمل العنوسة   هو الذي شجع الحكومات العربية  على الاعتراف بقضية العنوسة  التي كرت مثل المسبحة ، واخذت ارقام الاحصائيات تأتي من مصر وسوريا والجزائر والمغرب  وفلسطين ، بل لان هذه الدول اصبحت تشعر بمدى تأزم الحالة الاجتماعية نتيجة عدم الزواج ، والعنف والقتل جزء من تغلغل اليأس لدى الشباب والشابات   .

 بعض  الدول  العربية تطرح ارقاما واحصائيات العنوسة  وتصمت  مكتفيةً بالتنهد والتلويح بعدم الامل ، وبعض الدول تضع راسها في الرمل وتعتبر الظاهرة مثل باقي الانكسارات التي يعيشونها واعتادوا عليها ومنهم من يريد أن يجد حلا عن طريق الأغراء المالي المدفوع للرجل .

  سابقاً أعلنت دولة  الكويت ان لديها حوالي ثلاثين ألف عانس(من سن  25 -65 ) وأحد نواب البرلمان الكويتي  طلب من  كل كويتي  ان يتزوج من امرأة  ثانية مقابل مبلغ 15 الف دولار ، هذا النائب يريد حل  مشكلة العنوسة الكويتية عن طريق دفع الازواج والاباء بهدم بيوتهم  والزواج من امرأة ثانية .

لم تضع أي دولة عربية على اجندتها تحسين ظروف الشباب، من القضاء على البطالة وتوفير أماكن العمل ومحاصرة هجرة الشباب ، ان الشباب العربي الذين يهاجرون من اوطانهم ويضيعون في الخارج هم نتاج سياسات بلادهم وفشل هذه السياسات في توفير المستقبل لهم  .

ليس للشباب أي دور في نهضة مجتمعاتهم،  والحكومات العربية  ما تزال حكراً على كبار السن ولم تضخ دم الشباب في عروقها حتى الآن.

ان حل العنوسة في الدول العربية  ليس بوضع المرأة في السوق ، ووضع سنواتها في الميزان وحسب العمر يكون الثمن الذي تحدده الدولة .

الحكومات العربية أثبتت فشلها في المحافظة على عناصر الشباب، أن العناصر الشبابية للأوطان أفضل من مليون بئر نفط ، وأحسن من مليون شركة إنتاجية – مع أنني أشك أن هناك  شركات إنتاجية على مستوى عالمي - أن قيمة الدول الحقيقية هي التي توفر للشباب كل شيء حتى لا يفكروا بالهجرة والهرب . وذلك عبر القضاء على البطالة وتوفير البيوت للازواج الشابة واماكن العمل،  وزرع التفاؤل هو الضمان الوحيد للقضاء على العنوسة وفتح الشهية للزواج وانجاب اجيالا للمستقبل ، ان الشباب العرب  الذين يفضلون الموت في البحر غرقا وهم هاربون من اوطانهم هم النسخة الثانية من عنوسة الأوطان .

2020-07-27