الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المستقبل في كتاب...حمزة شباب

التفكير في المستقبل لا يتوقف على المضي قدماً نحو سراديب العقول، سواء أكُنّا من علماء الأنثربولوجيا أم سواهم من الأشخاص العاديين؛ لذلك نقضي أوقاتنا في التخطيط لما سيحدث في حياتنا أولاً، ثم تتسع الهوة في التفكير بالوجود ومقابلاته أو حتى نهايته، فمنا من يقدّس نظرية المؤامرة تقديساً تجعله من ملايين المشاهدين المنتظرين للمبارزة النهائية كي يروي أحداثها على مواقع التواصل، ومنا من ينفي أصابع الاتهام التي تمتد إلى تلك الشماعة المعروفة بأن وراء كل حرب أو وباء عقول تديرها.

إن مسألة المستقبل وتطور الكوكب من المواضيع التي جذبت عالم الفن والثقافة، حيث أراد العديد من المؤلفين خوض غمار المستقبل والبوح بأسرارهم الذاتية في أعمالهم، فقد يرى أحدهم العلاج من وجهة نظر اقتصادية، بينا يركز آخر على التكنولوجيا وما تقدمه من خدمات للبشرية، ونظر أولئك الذين انغمسوا في الإنسان أن هناك نظريات إيجابية للغاية وأخرى كارثية تصل إلى حد السريالية، ولكن لا يضر أن نتناول بعض النماذج التي كان لها أثر في قراءة المستقبل وربما تجعلنا نتساءل عن بعض النقاط التي تلامس الفكر وتضطره إلى الإعمال.

أول هذه الكتب هو كتاب "جرائم المستقبل" لمارك غودمان الذي ارتبطت حياته المهنية بمكافحة الجريمة متوقعاً جرائم الغد، وهو يحقق باستمرار ويدرس الطرق التي يترابط فيها العلم والجريمة بطريقة يسود فيها الخيال العلمي في أعماق الفضاء الالكتروني؛ فيفضح بعض الصور التي يستفيد منها المجرمون والشركات وحتى الحكومات المارقة من التكنولوجيا على أشكال منها: الروبوتات والواقع الافتراضي والذكاء الصناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والبيولوجيا التركيبية، ويبني أدلة علمية حول كيفية الإفادة منها على طريقة السيف ذي الحدين.

والكتاب الثاني الذي يتطلّع إلى النظرة المستقبلية هو كتاب مارك زيروف والذي جاء بعنوان "تاريخ موجز لنهاية العالم"، حيث يدعو فيه الكاتب للغوص في أعماق التاريخ وتحليل المعتقدات الدينية وشهادات الأنبياء والقادة على شكل الرؤية المستقبلية التي تقود إلى الماضي، مشيرة إلى النبوءات الكبرى التي تعلن وتصف المواقف المختلفة التي يمكن أن تنهي البشرية وتدمر الحضارة بأسلحة الإيمان والإيمان المناقض.

ومن الكتب التي تناولت المستقبلية "الإنسان الإله:موجز تاريخ الغد" لمؤلفه يوفال نوح هراري، حيث نشر فيه العديد من المقالات حول تاريخ العالم من خلال رؤيته للماضي إلى جانب وضع المستقبل نصب عينيه. و يقدم فيه منظوراً اجتماعياً للمستقبل مرتبطاً بطبيعة التكنولوجيا وتطورها المستمر، وهو انعكاس موجّه للتحديات الجديدة التي تلوح في الأفق من تغير الأجندة الإنسانية عن طريق التغلب على ثالوث المجاعة والأمراض والحروب؛ لتتحول إلى ثالوث جديد من الألوهية والسعادة والخلود في المستقبل القريب الذي تكون فيه الحرب متقادمة إلى حد أن تسبق السمنة المجاعة.

أما "فيزياء المستقبل" فهو عنوان كتاب الفيزيائي ميشيو كاكو الذي يعد جزءاً من فريق نظرية الأوتار وهو أمر أساسي لمفهوم الكون في الفيزياء الحديثة، حيث يشرح كيفية تشكيل العلم لمستقبل البشر، والذي يتم تخميره بالفعل في المختبرات العلمية في العالم. حتى يجرؤ كاكو على ذكر تاريخ محدد، ففي عام 2100 للميلاد سنتحكم في أجهزة الكمبيوتر باستخدام أجهزة استشعار الدماغ، وسنكون قادرين على تحريك الأشياء بعقولنا، كما يقدم رؤيته في تطوير الاقتصاد العالمي من خلال نظريات الفيزياء المعقدة وربطها بالدول التي ستصبح القوى العالمية في المستقبل.

ومن الأدب العالمي الذي قدم على مستقبليات البشرية كتاب "عالم جديد شجاع" الذي يضم مجموعة من الروايات والقصص الكلاسيكية للكاتب والشاعر الفائز بجائزة نوبل ألدوس هكسلي، حيث يرسم مؤلفه مجتمعاً مستقبلياً يستخدم علم الوراثة والاستنساخ للسيطرة على الأفراد بما يعرف بالتكنولوجيا الوراثية، ويقسم البشر إلى خمس فئات يتم فيها تصور الأطفال مستخدما أنابيب الاختبار. كتابه هذا يحمل بصيرة مستقبلية يتخيل فيه ديكتاتورية مثالية بمظهر ديمقراطي وسجن دون جدران، ويعد كتابه رواية ذات خلفية نقدية من خلال نظرته لتنظيم المجتمعات البشرية عبر التاريخ وممارسات السلطة التي يمكن أن تفسر الأنماط التي سيتبعها مجتمع المستقبل بناء على تطور العلم وما ينطوي على ذلك.

هناك وجهات نظر مختلفة للرؤية المستقبلية لعالم البشر، وهذا بمثابة إلقاء نظرة على كيفية تقديم المستقبل والتي يمكن أن تلبي رغبتنا في معرفة ما لا يُحتمل معرفته، كما يمكّن القارئ من توسيع نطاق البحث في اكتشاف اللغز الذي حيّر الإنسان من وجهات نظر مختلفة، وإن هذا الاختلاف لا يدعونا إلى تبنّي وجهة واحدة، لكن يمكن أن نؤمن أن التغيير – لو حدث – سيكون قادماً من البشرية ذاتها.

2020-08-11