الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
غضب من عرض مسرحية أمريكية عن غلمان اللهو في افعانستان

عندما يتعلق الأمر بالمسرح وصناعة الأفلام في الغرب، فإن الصورة الرائجة عن أفغانستان لا تتجاوز نساء مبرقعات ورجال يحملون البنادق الروسية (إي كي 47).

لكن في عام 2017 قام أمريكيان بشيء مختلف، إذ ابتكر كاتب الأغاني تشارلي سون والملحن تيم روسر، مسرحية موسيقية حول موضوع قد يعتبره الأفغان حساساً ومقلقاً جداً، وهو "باشي بازي" أو "الصبيان اللهو".

"صبيان للترفيه والجنس"

يقوم الأثرياء ومن أصحاب النفوذ بشراء الصبيان ( يطلق عليهم الصبيان اللهو) للاحتفاظ بهم من أجل التسلية وممارسة الجنس.

ويتم تدريب هؤلاء الصبيان على الرقص المغري لأدائه في الحفلات المخصصة للذكور فقط، وغالباً ما يتعرضون خلالها للإعتداء الجنسي.

وتتحدث مسرحية "الصبي الذي يرقص على الهواء"، قصة إلقاء القبض على بايمان الذي كان على علاقة حب بصبي مراهق آخر في الـ 16 من عمره، وكلاهما من صبيان اللهو.

وتركت هذه المسرحية بشكل عام انطباعاً جيداً لدى نقاد المسرح، ووصفت بـ "الشجاعة والمدروسة والجميلة".

ووصفت صحيفة نيويورك تايمز، موضوع المسرحية بأنه "مثير للقلق"، وقالت أن الممثلين سوهن وروسر "واجها التحدي المتمثل في موضوع صعب للغاية".

وسرعان ما دخلنا عام 2020، الذي انتشر فيه وباء كوفيد 19 حيث أجبرت المسارح كغيرها من المنشأت على الإغلاق.

وانضمت المسرحية إلى العديد من الأعمال الفنية الأخرى لتتحول إلى البث عبر الانترنت بدلاً من خشبة المسرح.

موجة غضب وانتقادات

أثارت هذه الخطوة موجة من الغضب والادانات بشكل غير متوقع بين الأفغان المقيمين في الشتات، والذين شاهدوها لأول مرة.

اتهموا العرض بأنه يضفي طابعاً رومانسياً على حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال.

ما قصة أسماء عزيز التي رفضت أن ترقص لزوجها ولأصدقائه؟

وقالت الأفغانية مدينة واردك، وهي أخصائية اجتماعية سريرية مقيمة في الولايات المتحدة، إنها اضطرت إلى التوقف بعد أن شاهدت منه 40 دقيقة فقط.

وأضافت: "شعرت بعدم الارتياح وسوء الفهم والذعر والقلق في نفس الوقت؛ كنت أتضايق في كل مرة حاول فيها الممثلون أن يكونوا مقنعين وفي كل مرة كان الجمهور يضحك على حساب الألم الحقيقي للأفغان".

واجه العرض أيضاً انتقادات بسبب الترويج لـ "باشا بازي" كعرفٍ مقبول في أفغانستان.

وقالت أزيتا غني زاده، الممثلة الأمريكية من أصول أفغانية، ومؤسسة فنون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "إن باشا بازي ممارسة مؤذية ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون رومانسية".

وأضافت: "إنتاج هكذا قطعة فنية أخرى من قبل منتجين غربيين، هزّ مجتمعنا الأفغاني بالكامل".

"زوجي قطع أنفي بالسكين لأني غادرت المنزل بدون إذنه"

اعتذار

ومع انتشار الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي ، نشر تروي إيواتا ، الممثل الياباني الأمريكي الذي لعب دور بايمان في المسرحية الموسيقية، اعتذاراً في حسابه على انستغرام.

وقال "منذ فترة قدمت عرضاً حيث لعبت دور شخص من أصل أفغاني، وأنا لست كذلك". "العرض يصور الاعتداء الجنسي بشكل رومانسي وأساء فهم شعب وثقافة بأكملها. أنا آسف جداً".

وعلى الرغم من كون عرف "باشي بازي" غير قانوني في أفغانستان، إلا أن السلطات غير قادرة على إنهاء هذه الممارسة لأن العديد من المتورطين هم من الأثرياء وأصحاب النفوذ.

وبالنسبة لهؤلاء الرجال، فإن الاحتفاظ بـ "باشي بازي" أي "غلمان اللهو"، هو دلالة على القوة والمكانة الاجتماعية الرفيعة.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، تم حظر هذه الممارسة من قبل حركة طالبان، التي أصدرت عقوبة الإعدام بحق مرتكبيها بتهمة اللواط والرقص والموسيقا، إلا أن هناك اتهامات لهذه الجماعات المتشددة بتورطها في نفس الممارسة.

ثنائي الجنس: "قصة الاعتراف بي كرجل بعد أن ولدت بعضو أنثوي يضم عضوا ذكريا"

"الأفغان كانوا أداة فقط"

كان الافتقار إلى الأفغان أو مساهمتهم في هذا الانتاج المسرحي، سبباً آخر لتعرضه للانتقادات.

وقالت غني زاده: "لو ركّز تشارلي وتيم على الشخصيات الأفغانية خلال العملية لكانوا أكثر حذراً وتفكيراً. ربما كانوا سيدركون أن هذه القصة لم تكن لتتحول إلى مسرحية موسيقية، لكن للأسف، كانت أفغانستان مجرد أداة في قصتهم.

وأضافت غني زاده أن "الكتّاب سكبوا البنزين وأشعلوا عود ثقاب على العديد من الجروح التي نعمل جاهدين على تضميدها".

"مفاهيم خاطئة"

وأعرب مجتمع المثليين والمتحولين الأفغان بشكل خاص عن استيائهم من الطبيعة الاستشراقية للقصة وقال الكثيرون إن العرض أضر بالناجين من الاعتداء الجنسي.

وقال قيس منهزم، وهو باحث أفغاني مثلي وأستاذ مساعد في جامعة توماس جيفرسون: "إن هذه المسرحية الموسيقية ليست فقط تصويراً استشراقياً للأفغان ككل، بل وتلحق الضرر بشكل مؤلم بالأفغان المثليين والمتحولين جنسياً.

يربط هذا العمل بشكل خاطئ الاعتداء الجنسي على الأطفال بالمتحولين والمثليين.

نظرة الغرب

"منذ الأيام الأولى للغزو العسكري الأمريكي لأفغانستان، حاول الجميع من قوات الاحتلال إلى المدونين والباحثين والصحفيين الأجانب، ربط "باشي بازي" بالمثليين الأفغان، مما يضر بتحرر هذه الفئة من المجتمع في أفغانستان والشتات.

وقال: "لقد سئم الأفغان المثليون والمتحولون من نظرة الغرب إلى حياتهم وتجاربهم. إنهم يروون قصصهم الخاصة، بأصواتهم وخيالهم من أجل مستقبل المتحولين والمثليين".

عندما انتقل العرض إلى البث عبر الإنترنت، أصبح متاحاً للناس في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لما قالته وزينا زندون ، وهي معلمة جنسية مثلية، فقد أثار العرض النقاش حول الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال بغض النظر عن الهوية الجنسية والنوع الاجتماعي".

"لقد سمعت من العديد من الزملاء والمتعاطفين والمثليين والمتحولين ومن غير الأفغان قصصهم الحميمية والحقيقية نتيجة لذلك".

وبالنسبة للبعض، كانت تلك المرة الأولى التي يقولون فيها ذلل بصوت عالٍ.

وتقول زندون التي شاركت في إنتاج عرض سرد القصص من قبل المسلمين وحالات الحب الفطرية : "بصفتي امرأة أفغانية مثلية، أفهم أن تجاربي التي نشأت في الغرب تختلف عن واقع أولئك الموجودين في أفغانستان. ولكن السرد القصصي لهذه المسرحية يحجب ويحور تجارب وقصص المثليين الأفغان".

وبعد حملة الغضب على هذا العمل المسرحي، سارع المؤلفون إلى تقديم اعتذار للشتات الأفغاني، لكن قوبل ذلك بمزيد من الغضب من قبل الأفغان الذين طالبوا بإلغاء الإنتاج والتبرع بعائداته لضحايا باشا بازي.

وأجبر السخط الذي انتشر على نطاق واسع، صناع العرض و "دايفرشنري ثياتر" وهي شركة تعني بشؤون المتحولين والمثليين، التي بثت المسرحية عبر الانترنت، على إشراك النشطاء والخبراء الأفغان في مناقشة لحل المشكلة.

وبعد التشاور مع الجالية الأفغانية ، بما في ذلك أزيتا ومنهزم وزندون ورادوك، أصدر سوهن وروسر اعتذاراً ثانياً، وفي هذه المرة قررا إيقاف العرض وإنهاء بيعه وحذف مقاطعه من يوتيوب وجميع منصات البث.

وقالا في بيان مشترك إن أعمالهم الموسيقية "خلقت عالماً من الألم للناس في المجتمع الأفغاني، وتحديداً لدى المثليين الأفغان المهمشين بشكل خاص".

كما اعتذرا لضحايا "باشي بازي" الذين أزعجهم العرض والمشاركات التي تروج له، وقالوا إن هذه الممارسة "غير قانونية وعنيفة ومسيئة".

وجاء في البيان: "نحن ندرك الآن أنه لم يكن من حقنا ككتّاب معروفين ومن أصول غربية، أن نروي قصصاً عن فئات اجتماعية تفتقر أصلاً إلى من يمثلها ويتعرضون للإعتداء في هذا البلد".

قامت شركة دايفينشري ثياتر التي بثت العرض على الانترنت حتى يوليو/تموز الماضي، بإزالته من موقعها على الإنترنت واعتذرت عن استخدام كلمة "عُرف" لتسويق الإنتاج.

وقال المنتجون إنهم سيتبرعون بالعائدات للجمعيات الخيرية الأفغانية "للتخفيف من الضرر الناجم قدر المستطاع، وأقروا بأنه "لم يتم تمكين أي من الأصوات الأفغانية في انتاج العرض".

وقد رحب المغتربون الأفغان بالقرار.

وتعتقد غني زاده أن الفنون الإبداعية يجب أن تتوقف عن الاستفادة من القصص الأفغانية.

وقالت: "على الكتاب على وجه التحديد أن يتعلموا التوقف عن استغلال قصصنا والاستفادة من آلامنا بدون استشارتنا وتوظيفنا وجعلنا محور اعمالهم ".

2020-08-12