(الجدران الزجاجية )موضة معمارية حديثة ، من مميزاتها انها شفافة والساكن داخل الجدران يشعر انه جزء من الطبيعة والحارة والحي، والعكس ايضاً الذي يمر بمحاذاة البيت يرى من في الداخل من الأثاث إلى القاطنين فيه ، وعملية الكشف هذه تحتاج إلى شجاعة وثقة ، لأن ليس من السهل ان يكون المرء مكشوفاً على الملأ ، والإنسان بطبيعته يحب الاختباء والسرية في تفاصيله الكبيرة و الصغيرة .
كنا نعتقد ان قضيتنا الفلسطينية وهويتنا محاطة بجدران من الباطون المسلح ، رغم عشرات الفصائل والتيارات السياسية والوجوه التي تعيش في سباق مراثوني من التصريحات والتنازلات ، والفوضى في تناول القضايا ومحاولة حلها ،حتى تحولنا الى غرباء عن هؤلاء القادة ، لكن كان دائماً هناك ضوء يشير إلى ما نريد رؤيته من أحلام ، ويبقى هذا الضوء مشعاً مهما كانت الحفر عميقة ، و أيدينا مثل دود القز تخرج حرير التفاؤل حيث نلف به أيامنا وانتظارنا الذي يبتعد يوماً بعد يوم .
وفجأة - وما اكثر المفاجئات - نكتشف ان جدراننا زجاجية ، ويا ليتها توقفت على الزجاج الذي تهشم وتحطم ، بل الجدران خلعت من مكانها وتحولنا الى عراة امام الجميع .
عندما صرخ شاعرنا محمود درويش صرخته امام العالم العربي ( ارحمونا من هذا الحب القاسي ) كان يريد ان ينبه هؤلاء الذين وضعونا في ميزان الثوار الأنقياء ، بأننا بشر ولسنا ملائكة ، بأننا نخطىء ونصيب ونفشل ونكره ، فينا الجيد وفينا الرديء ، المخلص والخائن ، الوفي والغدار ، فينا الذي باع وقام بتصفية أرضه في قريته المهجرة كي يشتري سيارة وتلفزيونا ملونا ويسافر الى الخارج ، وفينا الذي مات من الجوع والفقر وأوصى اولاده بأن لا يقوموا بتصفية الأرض مهما كانت المغريات والدولارات لأن الأرض وقف وحرام بيعها والعودة قريبة ، وفينا من يتطوع في الجيش الإسرائيلي ويقف على الحواجز في الضفة الغربية ويتمتع في تأخير العائلات الفلسطينية ، وفينا وفينا ...الخ .
بفضل سرعة إيقاع الزمن والتطور العلمي واختراق الفضائيات لحياتنا ، أصبح فتح الملفات المخبأة وفضح الأسرار شجاعة وجرأة وحق تاريخي ، نعم من حق الأجيال ان تعرف ماذا كان يعمل الكبار ؟ وكبرت الأجيال على اوراق نسجتها المطابع السرية ( الموسادية ) ، وعبقها الممزوج برطوبة السراديب هو الذل والخزي المزين بالمصالح الشخصية لأسماء تركها التاريخ في عهدة الحساب .
عندما وصل ياسر عرفات إلى تونس بعد حصار بيروت ، فتح أبواب مكتبه لكل طارق باب، خاصة من الفلسطينيين الذين بقوا في الوطن ، جميعهم قاموا بالتصوير معه ونشروا الصور على الملأ ، كانت الصور المياه المقدسة لتعميد بعض الذين باعوا وسمسروا وقبضوا وقتلوا متسللين . ، وأوصلنا الرسالة لتونس...لكن كان زمن اختلاط الحابل بالنابل .
كان هناك من يرفض ويقول لا ... وانحنت الرؤوس احتراماً لهؤلاء الذين كانوا دروعا للكبرياء والكرامة ، وحافظوا على قدسية التهجير والحق والخيام والغربة والرحيل والمفاتيح .
لا يوجد في تاريخ أي شعب هذه الكمية من المؤامرات بقدر ما هي موجودة لدى الشعب الفلسطيني ، فطحالب المؤامرات تنمو حوله وفوق جلده وسرير نومه ، تخرج من رئتيه ، تنتشر في هواه ، يدوس عليها وتدوس عليه ، وكلما تفادى مؤامرة سقط في أخرى ، ان حلبة ملاكمة المؤامرات منصوبة فكلما دق جرس انتهاء مؤامرة تخرج مؤامرة جديدة وتقف أمام المواطن الفلسطيني ، الذي لم يعد يتحمل الضربات ، لقد أصابه العجز ، وانصبّت أحلامه فقط على وجود رغيف و قنينة مياه ومنفذ هواء .