الإثنين 24/10/1444 هـ الموافق 15/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الانتخابات الأميركية...هل من مفاجآت!...د. سنية الحسيني

استيقظ الأميركيون والعالم بأسره، أمس، على خبر صاعق عن إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجته بفيروس كورونا. وما زال الوقت مبكراً لإصدار أحكام سريعة، ولكن من المؤكد أن هذا الحدث سيترك آثاره القوية وبشكل قد يكون حاسماً على الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الثالث من الشهر القادم. وبعيداً عن سيناريوهات تفترض الأسوأ، فمن المؤكد حدوث اضطراب في الحملة الانتخابية بما فيها المناظرات المقررة والجولات المخطط لها، كما أنه من المؤكد أن فيروس كورونا الذي حاول ترامب جاهداً إقصاءه عن الحملة الانتخابية سيكون محورها الأساسي.
 

وقبل الخبر الصاعقة بدأ العد التنازلي للانتخابات الأميركية، والمقررة في الثالث من تشرين ثاني القادم، وسط حالة تخبط واستقطاب عالية تسيطر على المشهد الأميركي، انعكست بوضوح خلال المناظرة الرئاسية الأولى قبل أيام. وشكلت شخصية الرئيس دونالد ترامب المثيرة للجدل مصدراً لتلك الحالة، خصوصا بعد تلميحه أكثر من مرة بعدم نيته تسليم السلطة في حال خسارته في الانتخابات بحجة التزوير فيها، جاء آخرها خلال تلك المناظرة. أثار موقف ترامب هذا مخاوف الاميركيين من وقوع حرب أهلية، فقد تنبأ توماس فريدمان، الصحفي الأميركي الشهير، بأن بلاده قد تكون مقبلة على حرب أهلية.  ولكن الحرب الاهلية ليست بالضرورة ما قد ينتظر الولايات المتحدة الان، اذ صدر العديد من التصريحات الرافضة لموقف ترامب من قبل أقطاب الحزب الجمهوري. كما أن النظام الأميركي قد تجاوز في الماضي خلافات حول نتائج الانتخابات بين مرشحين للرئاسة عبر القضاء.

 

يعتبر تلميح ترامب بعدم التسليم بنتائج الانتخابات في حال خسارته لها  شاذاً وغريباً في  مجتمع ديمقراطي يعتمد عملية الانتقال السلمي للحكم منذ عقود عديدة. الا أن ذلك الموقف لترامب يأتي في سياق سلسة من المواقف والسياسات التي وصمت حقبته، وانعكست في حالة الاستقطاب والانقسام الكبير الذي أصاب المجتمع الأميركي ما بين البيض والملونين، والمحافظين والليبراليين، والجمهوريين والديمقراطيين. وعلى ما  يبدو أن ذلك الموقف جاء نتيجة  قلقه من أن تأتي نتائج الانتخابات لغير صالحة، بعد أن أكدت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع نسبة  تأييده ضمن قطاعات رئيسة في المجتمع الأميركي، بما فيها الجماعات الصهيونية المسيحية (الافنجليلكلز)، والتي ضمنت له النجاح في الانتخابات السابقة.  

 

وانخفضت شعبية ترامب في استطلاعات الرأي الأخيرة مقارنة بانتخابات عام ٢٠١٦،  بين كبار السن ومحدودي الدخل والسود والملونين، كما تراجعت نسبة تأييده من قبل شريحة الشباب من الافنجليكلز والأرثوذكس البيض. جاء ذلك التراجع  في ظل انتقاد واسع لادائه في التعامل مع جائحة كورونا وارتفاع معدلات البطالة وتصاعد موجة العنف العرقي. 

 

فقد دعم أداء ترامب حوالي ٨٤٪؜ من البروتستانت البيض قبل عدة أشهر، وانخفضت تلك النسبة إلى ٦٨٪؜ في شهر تموز الماضي. كما تراجعت نسبة تأييد الكاثوليك البيض له من ٤٨٪؜ في العام الماضي الى ٣٦٪؜ هذا العام. وكان ترامب قد حشد دعم ٨١٪؜ من الافنجليلكلز في الانتخابات السابقة،  في أعلى نسبة تأييد حصدها مرشح جمهوري للرئاسة منذ انتخابات عام ٢٠٠٤، الا أن  ٧٥% منهم فقط أبدى ارتياحه لأدائه مؤخراً.

 

ورغم عدم تجاوز نسبة تأييد ترامب من قبل الأمريكيين اليهود ١٥٪؜، وكذلك من قبل الأميركيين من أصول لاتينية وأفريقية سوداء  ٥٪؜ من مجمل نسبة تمثيلهم الكلي (٣٠٪؜) عام ٢٠١٦،  الا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى مزيد من التراجع في نسبة تأييدهم له. ويحصد الحزب الديمقراطي عموما ما بين ٧٠-٨٠٪؜ من أصوات اليهود وثلثي أصوات الملونيين،  و٩٠٪؜ من أصوات السود. 

 

ورغم ذلك لا يزال  ٣٨٪؜ من الأميريكيين يؤيدون طريقة تعامل ترامب مع الجائحة ويدعمه ٥٨٪؜ من المسيحيين  و٥٨٪؜ من البيض و٥٣٪؜ من النساء البيض. فيحتضن معظم الافنجليكلز ترامب، خصوصا أولائك الذين يصوتون له على أساس أيديولوجي، ويشكلون ثلث قاعدته الانتخابية، ودافعوا عنه بقوة عندما تصاعدت أصوات لعزله. 

 

ويشكل الافنجليلكلز أكبر كتلة انتخابية منظمة ومتماسكة في الولايات المتحدة، يتراوح ثقلها الانتخابي ما بين ربع وخمس القوى الانتخابية في البلاد. تكونت هذه الكتلة خلال حقبة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي، فباتت منذ ذلك الوقت قوة مؤثرة في صنع القرار السياسي الأمريكي، من خلال تأثيرها على نتائج الانتخابات.

 

 ويدعم الافنجليلكلز إسرائيل انطلاقاً من قناعات دينية، ومن هنا جاءت تسميتهم بالصهيونية المسيحية. كما أنهم يدعمون عموما الحزب الجمهوري، انطلاقا من مواقفه الأكثر محافظة من الناحية الدينية والأكثر تشددا من الناحية القومية، مقارنة بالحزب الديمقراطي.  ويعارض الافنجليكلز التوجهات العلمانية والانفتاح الليبرالي، ويحاربون هجرة الملونين إلى الولايات المتحدة، ويرفضون التزاوج عبر الاثنيات، خصوصا ما بين البيض والسود، ويعادون المسلمين. 

 

ويعارض الافنجليلكلز قوانين استيعاب اللاجئين في البلاد، خوفا من أن يؤثر ذلك على نسبة الأغلبية البيضاء مقارنة بالاقليات الملونة. ويهتم المسييحيون المحافظون عموما، والافنجليلكلز خصوصاً، بالمحكمة الدستورية العليا وعملية اختيار قضاتها، والتي تأتي اعتماداً على ترشيح رئيس الدولة، لضمان التوازن الأيديولوجي لصالحهم. فقرارات القضاة في المحكمة العليا تعكس توجهاتهم في قضايا حساسة خلافية في المجتمع الأمريكي كالاجهاض وزواج المثليين وحرية امتلاك السلاح وغيرها. 

 

وتعكس سياسات ترامب ومواقفه طوال فترة ولايته حرصه على كسب تأييد الافنجليلكلز، فقد أحاط نفسه بممثلين عنهم، على رأسهم نائبه مايك بنس، وبين كارسون وزير الإسكان، ومايك بومبيو وزير الخارجية وغيرهم. كما عمل على تعيين قضاة وموظفين كبار من الاتجاه المحافظ لحماية مواقف ومصالح الافنجليكلز ومكانتهم ووجودهم السياسي في البلاد. فجاء تعيين ترامب للقاضية المحافظة إيمي كوني باريتقبل أيام، لخلافة القاضية الراحلة روث غينسبورغ،  ضمن ذلك السياق.

 

ويتقدم بايدن في استطلاعات الرأي على صعيد الانتخابات الوطنية بفارق يترواح ما بين سبع وعشر نقاط،، الا أنه لا يمكن اغفال أهمية المجمع الانتخابي في حسم المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة. ففي انتخابات عام ٢٠١٦ ورغم تفوق مرشحة الرئاسة هيلاري كلنتون على  المرشح دونالد ترامب بفارق يزيد عن ثلاثة ملايين صوت خلال التصويت القومي، خسرت كلنتون معركتها الانتخابية الكلية لخسارتها الأصوات المطلوبة في المجمع الانتخابي. ويعتمد تصويت المجمع الانتخابي على أصوات الولايات، حيث تمثل كل ولاية  في المجمع الانتخابي بعدد أصوات محدد يعكس عدد سكانها، ويحصد المرشح الفائز في الولاية جميع الأصوات المقررة لها في المجمع الانتخابي. ويبلغ مجمل عدد أصوات المجمع ٥٣٨ صوت، ويحتاج النجاح لحصد ٢٧٠ صوتاً منهم. 

ومن المعروف أن معظم الولايات الأميريكية تؤيد بشكل مستمر أحد الحزبين، باستثناء ست ولايات متأرجحة، يسعى كل حزب خلال الانتخابات لكسب تأييدها. وتعتبر فلوريدا ساحة معركة انتخابية هامة، فهي أهم الولايات المتأرجحة الست لامتلاكها ٢٩ صوتا في المجمع الانتخابي. وانخفضت نسبة تمثيل الافنجليكلز في الولاية ما بين عامي ٢٠١٦ و٢٠٢٠ بما قد يؤثر على نتائج انتخابات الولاية لصالح جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي. ويتقدم بايدن بفارق كبير في ثلاث ولايات متأرجحة هي ميتشيغان وبنسلفانيا ووسكنسن، وخسارة دعم تلك الولايات  قد يعني خسارة الانتخابات. 

واخيراً، هل ستكلل الانتخابات الرئاسية الأميركية بقبول نتائجها  والانتقال السلمي للسلطة؟ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال، فقد أعلن ترامب أكثر من مرة أنه سيعتبر الانتخابات مزورة في حال عدم فوزه فيها. موقف ترامب هذا يضع الديمقراطية الأميركية في موضع اختبار جاد، خصوصا بعد أن دعا الجماعات العنصرية المسلحة البيضاء المؤيده له بالوقوف على أهبة الاستعداد. 

كاتبة وأكاديمية فلسطينية

 

2020-10-03