أثار إعلان وعد المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن بالعودة إلى المسار الدبلوماسي مع عضوي أوبك إيران وفنزويلا حال فوزه تساؤلات حول انعكاسات ذلك على أسواق النفط.
وتوقع تحليل نشرته "رويترز" أن يتيح وعد بايدن حال فوزه عودة صادرات نفط إيران وفنزويلا، لكن ليس قبل أشهر عديدة من التدقيق والمحادثات وإبرام الصفقات.
وسيكون توقيت الاستئناف المحتمل للشحنات ذا أهمية حاسمة لأسواق النفط العالمية: فالعقوبات الأحادية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على البلدين منذ توليته في 2017 تحجب ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا، أو ثلاثة بالمئة من المعروض العالمي.
وتلقت إيران الضربة الأكبر، إذ انكمشت صادراتها نحو مليوني برميل يوميا إلى حوالي 500 ألف برميل يوميا.
تنسجم العقوبات تماما مع سياسة الهيمنة على سوق الطاقة التي ينتهجها ترامب وتقضي بتعزيز صادرات الولايات المتحدة، التي أصبحت في 2018 أكبر منتج للخام في العالم.
ومن المرجح أن تتمثل الخطوة الأولى في تغيير واسع النطاق في سياسة إيران، لكن العودة الكاملة والمستدامة لصادرات النفط من ذلك البلد لن تكون قبل نحو عام من الآن، بحسب ريتشارد نفيو، خبير العقوبات في الفريق الأمريكي الذي ساهم في التوصل إلى اتفاق مع خمس قوى عالمية أخرى بشأن برنامج طهران النووي في 2015.
سحب ترامب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق في 2018 رغم اعتراضات أوروبية وآسيوية، قائلا إنه لا يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ولا أنشطة الجماعات المسلحة الموالية لطهران في أنحاء الشرق الأوسط.
لكن بايدن، الذي كان نائب الرئيس باراك أوباما عندما أُبرم اتفاق 2015، يقول إنه يريد أن يعرض على إيران مسارا للعودة إلى الدبلوماسية، موضحا أنه سيعود إلى الاتفاق ويقويه إذا التزمت إيران بعدم امتلاك سلاح نووي.
وقال نفيو، الذي يعمل حاليا بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إن إدارة يقودها بايدن من المستبعد أن تشرع في أي عمل بخصوص إيران قبل عدة أشهر من حفل التنصيب في 20 يناير كانون الثاني، إذ سينصب اهتمامها أولا على الانتهاء من التعيينات القيادية وإعادة ترتيب السياسات.
ومن المستبعد إبرام صفقة إلا بعد أن تخفض إيران مستوى إمداداتها من اليورانيوم المخصب، والتي تنامت في عهد إدارة ترامب. لكن ذلك الخفض يستغرق وقتا، وكذلك تحقق مفتشي الأمم المتحدة من حدوثه والذي قد يستغرق عدة أشهر على الأقل. وهناك أيضا الوقت الإضافي الذي سيستغرقه ترتيب مفاوضات متعددة الأطراف بشأن اتفاق إيراني جديد والمضي فيها.
وقال نفيو "هذا الأمر سينتظر"
وتوقع بوب مكنالي، خبير الطاقة بمجلس الأمن القومي تحت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن ورئيس مجموعة رابيدان إنرجي، عودة صادرات النفط الإيرانية في النصف الثاني من العام القادم.
وقال ثلاثة دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي إن المسؤولين الأوروبيين يتطلعون إلى تجديد العلاقات مع إيران إذا فاز بايدن، لكنهم لم يسعوا للانخراط مع حملته بهذا الخصوص قبل الانتخابات، تخوفا من رد فعل إدارة ترامب في حالة فوز الأخير.
لم تعلق حملة بايدن بشأن إيران لهذا التقرير، لكنها أشارت إلى مقال كتبه بايدن على موقع سي.إن.إن في سبتمبر أيلول قال فيه إنه سيلتزم "التزاما لا يتزعزع" بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.
ولا تتوقع إيران رفعا سريعا للعقوبات التي تعصف باقتصادها، حسبما قاله رئيس شركة لتداول النفط في طهران. فمن شبه المؤكد أن تتأخر أي محادثات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في إيران في 18 يونيو حزيران.
وقال المصدر "سيستغرق ذلك وقتا طويلا."
وبتذليل العراقيل السياسية، قد تعود الشحنات الكبيرة سريعا. فقد خزنت إيران حوالي 100 مليون برميل من النفط على متن الناقلات وفي صهاريج بحرية بدول مثل الصين، وفقا لما قاله إيمان ناصري، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط لدى إف.جي.إي الاستشارية.
وقال "النفط الإيراني من الممكن أن يصل الأسواق في لمح البصر.. يمكن لإيران أن تعول على هذه الصادرات لشهور، بينما تعكف على العودة بإنتاجها إلى المستويات السابقة."
في غضون ذلك، من الممكن أن تخفف إدارة بايدن إنفاذ العقوبات وتمنح سلسلة إعفاءات جديدة، بما سيسمح لدول قليلة بشراء كميات محدودة من النفط الإيراني، بحسب إد كروكس، نائب الرئيس لمنطقة الأمريكتين في وود ماكنزي. كان ترامب ألغى برنامج الإعفاءات في 2019.
مسار أصعب مع مادورو
شأنه شأن ترامب، يرغب بايدن في تغيير الرئيس الفنزويلي الاشتراكي نيكولاس مادورو الذي من المعتقد على نطاق واسع أن إعادة انتخابه في 2018 قد شابها التلاعب.
يقول ليوبولدو مارتينيز، مخطط الفوز بأصوات ذوي الأصول اللاتينية في حملة بايدن، إن من المرجح أن يبقي بايدن على العقوبات المفروضة على شركة النفط الوطنية الفنزويلية في المدى القريب.
لكن الإستراتيجية ستتغير كثيرا على الأرجح تحت بايدن، لتتضمن مزيدا من الأخذ بآراء الحلفاء والشركاء التجاريين بشأن سبل المضي قدما.
وقال مارتينيز "لا نسعى لتفكيك سياسة العقوبات، بل لتطبيقها بطريقة ذكية، بمساعدة جهد متعدد الأطراف وبأهداف محددة يُبتغى تحقيقها، تتمثل بالأساس في انتخابات حرة ونزيهة وموثوقة."
ويمكن نظريا رفع العقوبات فور تحقيق تلك الأهداف.
في غضون ذلك، ستعمل إدارة بايدن على تقديم دعم إغاثي في فنزويلا، حيث يعاني جانب كبير من السكان تحت وطأة العقوبات المفروضة على قطاع النفط، شريان الحياة لاقتصاد البلاد، حسبما ذكر مارتينيز.
وقالت مجموعة رابيدان، التي يرأسها مكنالي، في مذكرة إن الدعم الإغاثي قد يشمل تخفيف العقوبات الأمريكية على واردات فنزويلية مثل البنزين، لكن ليس على الصادرات البترولية.
وأضافت أنه حتى في حالة رفع العقوبات بعد تغيير في القيادة، فإن عودة سريعة للصادرات الفنزويلية إلى أكثر من حوالي مليون برميل يوميا، من نحو 500 ألف برميل يوميا حاليا، لن تحدث قبل ستة أشهر إلى عام على الأرجح.
فقد أدى نقص الاستثمار إلى تداعي المعدات والحقول في فنزويلا، التي تملك الاحتياطيات النفطية الأضخم في العالم.
وقال نفيو عن فنزويلا "ذاك تصور محتمل أبعد كثيرا من إيران.. لست متأكدا من قدرتنا على أخذ زمام المبادرة هناك بدرجة مماثلة."