السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ما بعد 'ترامب'...'ترامب'...فراس ياغي

 يوم فاصل للمنتظرين، فما بعد اليوم ليس كما قبله، الثالث من نوفمبر من العام 2020 سوف يُسجل في سِجلّ البعض الذي يُصلي للخلاص من الرئيس الأمريكي "ترامب" والذي أنذر لربِّ العِباد للصلاة عددٍ من الركعات حمداً وشكراً على ذهابه بلا رجعة...صديق لي هتف في أذني قائلاً : مجيء بايدن للرئاسة سيرفع "الجزمة عن رقابنا" لنتنفس قليلاً.

اليوم ولأول مرة سوف أغامر وأقول أن ما بعد اليوم سيكون كما قبله، بل ستزداد حدة السياسات المتطرفة وسيزداد الضغط و "الجزمة" ستخنق البعض منا...الديمقراطية الأمريكية التي أتت ب "ترامب" رئيساً للبيت الأبيض لن تستطيع ولأول مرة إزاحته من كرسيه البيضاوي، فهو جاء ليبقى لفترتين بالحد الأدنى، وسوف نرى إعلان فوري للنتائج على لسانه وبأنه "فاز" في الإنتخابات وقبل أن تُعلن النتيجة الرسمية.

اقول ذلك مستنداً للمعطيات التي صرّح بها الرئيس "ترامب" نفسه من جهة، ومن الجهة الأخرى لوقوف أكثر اللوبيات المؤثرة إقتصاديا في أمريكا لجانبه، إضافة لدعم المتطرفين اليمينيين والشعبويين المقتنعين بفوزه وقبل أن تجري الإنتخابات، فأمريكا مُقبلة على خلاف داخلي حاد وعميق نتيجته ستكون فوز أو تفويز "ترامب"، قد يكون كلامي هذا أحد السيناريوهات وليس كلها وفقا للفرضيات التحليلية للواقع الأمريكي الحالي، لكن! قلت أعلاه: سأغامر، خاصة أن الرئيس "ترامب" جاء من خارج المؤسسة الأمريكية الرسمية، بل فاز خلافاً لكل التوقعات قبل أربع سنوات، أما اليوم، قهو يُعلن عن "فوزه" قبل أن تبدأ عملية الإقتراع المباشر وغير المباشر عبر صناديق الإقتراع، تصوروا أن النتائج ستكون متقاربة، وهي ستكون كذلك!!!

سَطرّتُ مُقدمتي أعلاه لأقول لمن ينتظر: سياسة الإنتظار في عالم أمواجه عالية وغير متوقعة وفي زمن أل "كوفيد19" غير مُجدية وعواقبها كبيرة، والإلتفات للمصالح الوطنية بترتيب الأوضاع الداخلية أفضل مليون مرة من الإنتظار، جاء بايدن أو ذهب ترامب ليست هي أولوياتنا، لأن ربط قراراتنا السياسية بمصير الإنتخابات الأمريكية وصفة الضعيف والغريق الذي يتعلق بقشة المُعتمد على سياسة ردة الفعل لا على الفعل.

كنت أتمنى أن يتم إولا إصدار مرسوم للإنتخابات العامة فوراُ وبعد أن تمت تفاهمات "الرجوب- العاروري" وعدم الإنتظار لوضع الكل الداخلي الفلسطيني في نصابه الحقيقي، خاصة أؤلئك المتبجحين بأنهم مع الإنتخابات ويدعمون إجراءها، وبعد إصدار المرسوم يتم الإتفاق بشكل علني وبمشاركة جميع قطاعات شعبنا وحركاته السياسية على توقيع ميثاق شرف وطني بإحترام نتائج الإنتخابات، وتكون لجنة الإنتخابات المركزية ورئيسها السيد "حنا ناصر" المشهود بنزاهته المشرفة على ذلك.

لكن للأسف؟!!! ما تم ليس سوى مناورات كلامية طفحها وتقيأها شعبنا من قبل أن تُعلن، غالبية الشعب الفلسطيني لم تنظر للمصالحة ودفن الإنقسام والإنتخابات بأنها سياسة إستراتيجية لدى المتفاهميين والمتحاوريين بإسمهم، بل على العكس من ذلك، إعتبرتها مناورات كلامية لن تتعدى الفضائيات والإعلام المرءي، لأن ما بعد الثالث من نوفمبر هو الفيصل والحكم، وليس الواقع الداخلي الفلسطيني الذي يئن من سياسة الإنقسام ومن بقاء قطاع غزة مخطوف وبعيد عن التأثير المباشر على السياسات الرسمية الفلسطينية من داخلها.

طحن الكلام لا يُنتج سوى كلام، وخطوة عملية واحدة أهم من دزينة من البرامج وفقا للمقولة الماركسية، وحركات التحرر الوطني تبقى تمارس نشاطها وفق لبرنامج التحرير وليس وفقا لفوز هذا أو ذاك، "لا ثورة بدون نظرية ثورية" قادرة على تجميع الكل الفلسطيني في بوتقة واحدة تحررية الهدف والمصير، ومتحركة بفعل المصلحة الداخلية وبفعل المُعلن من برامج وسياسات، أما أن يبقى الفعل مرتبط بالظرف الموضوعي، فهو ليس سوى ردّات فعل لن تؤسس لسياسات إستراتيجية جامعة وموحدة وقادرة على الفِعل.

الأداء الذاتي للمؤسسة، والمتمسكة بمفهوم التحرر والإستقلال، وضمن معيار برنامج الحد الأدنى الذي يُجمع عليه الجميع، وأداته المقاومة السلمية الشعبية مع عدم إسقاط أشكال المقاومة الأخرى، والتمسك بمفهوم الدولتين وفقا للإجماع الدولي، هذا كله لن يستقيم فعليا دون قرارات عملية أولها الإنتخابات، فهي القادرة على وضع كل فصيل في موقعه الحقيقي وهي القادرة على فرض المصالحة، وهي التي ستعيد للشعب ثقته بقيادته، لأن الشعب سيقول كلمته في صناديق الإقتراع وسيتحمل بقناعة وزر المرحلة القادمة مهما كانت درجة صعوبتها، أما سياسة الإنتظار فهي ستعمق الفجوة القائمة بين القيادة الرسمية وبين الشعب الفلسطيني، فجوة دفع بغالبية هذا الشعب "للنأي عن النفس" وأصبح غير معني بكل ما يُطحن من كلام في هواء الفضائيات، ولعَلّني لا أبالغ حين أقول: أصبح كلام القيادات نُكت للتندر.

مرة أخرى سأغامر وأقول: إستعدوا لبقاء "ترامب" فهو قادم ولا مجال معكم إلا التوحد والإصطفاف في خندق الفِعل لا قصر الإنتظار، في ثنايا الفعل الشعبي لا مكاتب الفِعل الرسمي، في الوحدة لا الفرقة، وفي الخطوة الفعلية الأولى بالدعوة للإنتخابات لا في سياسة الإنتظار!!!!فما بعد "ترامب"..."ترامب".

2020-11-03