الجمعة 14/10/1444 هـ الموافق 05/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التيار الجارف قادم !!! ... عبد الهادي شلا

 هناك شبه إجماع على أن التاريخ ما قبل الإعلان عن جائحة "كورونا" لن يكون له نفس الروح الذي كان طبيعيا أن يمتد إلى ما بعدها،وهذا الإجماع لم يأت من فراغ وإنما تم الاعتقاد به وصار الكثيرون على يقين منه نتيجة تصريحات علماء وأطباء بل وسياسيين في مراكز القيادة الأمامية،فصار لزاما أن يتم فرض هذه القناعة على مساحة الكرة الأرضية في البلاد القوية كما في البلاد الضعيفة قليلة الحيلة التي لا تملك إلا ان تنصاع إلى كل ما يصلها على شكل أمر وإن كان يأتيها بأسلوب ناعم ولكنه جاد و حازم..!

هذه الاعتبارات تجعل الكثيرين في حالة تفكير وبحث عن قناعة بأن الأرقام الناتحة عن الإصابات بهذا الكم الهائل من جهات رسمية وعامة هي أرقام حقيقية رغم كل التوجس والشكوك،ولعل إحصائية جديدة قام بها علماء كبار في تسعة عشر دولة قد حملت في طياتها نسبا متفاوته من قناعة الذين أجري عليهم البحث فكانت نسبة تفوق السبعين في المائة غير مقتنعة بما يصدر من تصريحات عن الدولة،وأن نسبة أقل ترفض الرضوخ إلى ما سوف يطلب منها بأخذ التطعيم اللازم عند إقراره وهو قيد التحضير الآن.

الجائحة..لا أحد ينكر وقد تم الاعتراف بها ،انها لعبت دورا كبيرا في قلب موازين نسبة كبيرة جدا وبمستويات متفاوته في السلوك اليومي للبشر وفي كل المجتمعات لأكثر من سبب ،وأهمها أن العالم على تواصل دائما في كل ما يستجد على الأرض من أحداث ومنها الجائحة ،الأمر الذي قصر مسافات التفاعل مع كل حدث،وجعل منه شغلا للرأي العام وفتح بابا للجدل في حقيقة ما يجري وهذا في حد ذاته منطق سليم إذ أن كل حالة جديدة تواجه الإنسان لا يمكن أن يتقبلها بسهولة ويُسر بل يتفكر فيها ويتوجس في الغرض منها ويربط كل حيثياتها بالوقت الذي تأتي فيه، فما بالنا بوباء قاتل لا يقبل الجدل الطويل وإنما يتطلب البحث عن دواء شاف ينجو به الملايين الذي يرتعدون خوفا لو إستمر لفترة أطول ويعيشون به من حولهم ولكن ليس كما تعاملوا مع غيره من الأوبئة التي تم القضاء عليها فيما قبل.

إذا تأملنا السلوك البشري بعد "كورونا"..سـتأخذنا دهشة عظيمة كيف خلت الشوارع والأسواق من تلك الحركة،وكيف تحولت المكاتب والإدارات إلى أماكن شبه مهجورة إلا من قلة تستدعي الضرورة وجودهم من العاملين ،وكيف صار التعامل مع التعليم عن بـُعد بينما الأب والأم يعملون في نفس البيت حيث أبنائهم يتلقون دروسهم عبر الحاسوب،وأن هذا الأمر قد أربك نظام العمل في الدولة كلها إذ أن الأطفال على وجه الخصوص بحاجة أن يتفرغ أحد الأبوين لمتابعتهم أ وذلك على حساب إنجاز عمله.

يبقى سؤال هام..وهو موجه إلى كل العاملين الإداريين الذي يعملون عن بُعد، هل تأقلموا مع هذا الوضع؟ أم لا حول لهم ولا قوة ولا فرار من ذلك إلا ترك العمل،وتراكم المشاكل الحياتية ؟،حتى وإن توفر عمل أخر فلن يكون مختلفا هذه المرة لأنه خاضع لنظام جديد يسري على كل النشاط البشري ،باستثناء الأعمال المهنية التي تقتضي الضرورة التواجد في المكان المعين.

مع الوقت ..إن طال أمد الجائحة لن يجد الإنسان بدٌ من التأقلم مع الوضع الجديد الذي لو قمنا بمقارنة بسيطة بين بداية الجائحة وبين ما يمارس اليوم لوجدنا شبه قبول بالأمر الواقع،وما هو قادم سيكون أكثر فعالية حين تتحول المعاملات المالية إلى أرقام ألكترونية في حسابات خاصة بكل فرد،ولن يكون هناك حاجة للعملة الورقية وما يترتب عليه من دفع فواتير المنزل والأقساط ستكون كلها عبر أرقام من خلال جهاز التلفون أو الحاسوب الذي يتطلب من كل فرد أن يكون لديه “APP تطبيق" يؤدي كل هذه الأمور..فهذه واحدة من أمثلة كثيرة يحملها التيار الجارف تحت مسمى عالم ما بعد كورونا ..!

 

2020-11-10