يُجمع كل المتابعين للانتخابات الامريكية أنها الأكثر إثارة واهتماما ليس فقط على المستوى الداخلي الأمريكي من حيث نسبة المشاركة وحدة التنافس بل أيضاً على مستوى الاهتمام العالمي حيث لم يترك الرئيس ترامب دولة باستثناء إسرائيل إلا وتصادم معها أو أثار لديها التخوفات، حتى المنظمات الدولية لم تنج من مناكفاته، إلا أنه وسط الغضب والسخط على الرئيس ترامب فإن هذا الأخير بسياساته الصادمة خدم الدولة الأمريكية بطريقة غير مقصودة منه وربما مقصودة من الدولة العميقة التي جلبته أو ساعدت على ذلك.
فنتيجة سياسة ترامب وشخصيته المستفزة بدت الولايات المتحدة الأمريكية ما قبله وكأنها كانت على المستوى الداخلي واحة ومثالاً للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وعلى المستوى الدولي دولة مسالمة تلتزم بالقانون والشرعية الدولية، وأن الرئيس ترامب هو الذي شوه صورة أمريكا، وبالتالي فالخلل في الرئيس ترامب وليس في الدولة الامريكية.
ومع وجود ترامب تم توجيه كل الغضب والرفض للسياسة الأمريكية العدوانية والإمبريالية التي تراكمت طوال عقود وحتى في عهد أوباما إلى رئيس الدولة ترامب وليس إلى الدولة ذاتها، ولم تعد المشكلة في أمريكا وسياساتها بل في الرئيس ترامب، وبهذا بيَّض ترامب صفحة الدولة الأمريكية من كل ما شابها من تشوهات وما اقترفته من جرائم وأخطاء في تاريخها الإمبريالي وخصوصا أثناء ما يسمى الحرب على الإرهاب واحتلال أفغانستان والعراق، وبذهابه ستعود أمريكا في نظر مواطنيها والعلم تلك الدولة الديمقراطية المسالمة الرافضة للعنصرية والمتصالحة مع العالم.!!!
لا شك أن سياسات ترامب الداخلية والخارجية خلال أربع سنوات جعلته يبدو وكأنه يريد أن ينقلب على الدولة العميقة ويُعيد ترتيب التوازنات داخل المجتمع الأمريكي وهي توازنات ترسخت وتراكمت خلال قرنين ونصف تقريبا-منذ الثورة الامريكية التي تواصلت من 1775 إلى 1783-، كما بدا وكأنه يريد أن ينقلب على النظام الدولي، وذلك بسبب مبالغته في الخروج عن النص – أسس ومرتكزات النظام السياسي والاجتماعي الأمريكي-لذلك تمرد عليه الشعب والدولة العميقة من خلال الماكينة الانتخابية.
لأن كل الفضائيات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي غطت الانتخابات الامريكية ونقلت للعالم وقائع ومعلومات عن المجتمع الأمريكي ربما لم تكن معروفة للجميع من قبل، فسنقتصر في هذا المقال على تسطير بعض الهوامش على الانتخابات الأمريكية وما يميزها عن سابقاتها: