الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مارك ليڤي يُحدثنا عن قواعد الكتابة

ترجمة راضي النماصي

مارك ليڤي أحد أشهر الروائيين الفرنسيين المعاصرين، من أعماله المترجمة إلى العربية «هي وهو»، «كل الأشياء التي لم تقل»، «امرأة مثلها»، «اليوم الأول». في هذه المقالة يُقدم لنا قواعد الكتابة كما يراها. 

-       توقفوا عن المعاناة لأجل العثور على موضوع. دعوا موضوع النص يأتي إليكم وانغمسوا مستمتعين فيه. وتذكروا أن الكتابة إحدى الوظائف النادرة التي يمكنكم فيها أن تجعلوا من الوقوف أمام نخلة لمدة ساعتين ثم تركها عملًا، لكن هذا لا يعني أن تختاروا نشاطاتكم اعتباطًا. يقال إن "الكتابة تأتي من الكتابة"، فما معنى ذلك؟ إن كنتم تريد الكتابة ببراعة، فعليكم أن تجعلوا من القراءة عادة، ولا تشاهدوا التلفاز إلا إذا كان هدفكم كتابة نص الحلقة القادمة من مسلسل «سي. إس. آي». غالبًا ما تقود القراءة إلى الكتابة. والجرائد مصدر عظيم، إذ إنها تحكي قصصًا من العالم الحقيقي، لكنها في الغالب أصعب تصديقًا من القصص والروايات. لا أستطيع إخباركم بعدد كتبي المُستلهمة من أخبار قرأتها في جريدة «نيويورك تايمز».

 

-       الكتابة تتعلق بالناس. الهدف الأول من كتابة رواية ما هو جلب شخصية متخيلة إلى الحياة. (وتتضمن استثناءات هذه القاعدة كلًّا من النصوص المعرفية والسير)، والبشر ليسوا ذوي بُعد واحد. على كل شخصية من شخصياتكم أن تملك حالتها النفسية وصوتها الخاص، وإذا أفلحتم في منحها مجموعة من السمات كما يجب، فسيكون القارئ قادرًا على فهم الحوار بين الشخصيات ولو حُذفت جمل من نوع "قال جون" (أو پيتر أو إيما). الشوارع والمقاهي والحافلات وقطارات الأنفاق مليئة بالناس. راقبوهم واستمعوا إليهم ولاحظوا سلوكياتهم، ثم قوموا بما يشبه الجراحة (لن تكون هناك دماء. أعدكم)، واجلبوا قطعة من هنا وأخرى من هناك وأعيدوا جمعها. إن كنت تنتظر وسط طابور إدارة المرور أو مكتب البريد (حيث تكون هناك طوابير طويلة على الدوام)، فهذه طريقة رائعة لتزجية الوقت. حاولوا تخيل سبب محاولة المرأة التي بجانبك إعادة قراءة نفس الصفحة في كتابها طوال الساعة الماضية، أو لماذا يبدو الصبي خلفها متوترًا للغاية، أو لماذا يتمتم الرجل في آخر المكان ريثما يكتب الرسائل النصية. كل من حولكم لديه قصة. تخيلوا مثلًا كيف سيتصرف كل منهم إن حدث أمر ما في المكان الذي تتواجدون فيه، حتى وإن لم يملكوا شيئًا مشتركًا بينهم، فقد يتشاركون لحظة ما بوصفهم شخصيات في نفس القصة عبر خيالك.

 

-       تجنبوا الإفراط، سواء في الإظهار أو الكشف، فما لم يُقل يمكن أن يكون بأهمية ما يقال، حتى إنه قد يغلبه. تذكروا أنه، في الحياة الحقيقية، يمكن للصمت أن يفصح أكثر من الثرثرة. لا تظهروا أكثر من اللازم فتحاولوا أن تجعل كتابكم سلسلة من الصور؛ فأنتم لستم مخرجين سينمائيين. يمكن لوصف غرفة نوم الشخصية الرئيسية أن يكون كاشفًا وآسرًا في آن، شرط ألا يأخذ ثلاث صفحات من التفاصيل غير الضرورية، ففي غالب الأحيان، يكفي تفصيل واحد لكشف الآخَر. مثلًا، إن قلتم إن السجادة في غرفة ما لم تُغير لمدة 25 عامًا، يمكن أن يفترض القارئ احتمال أن الجدار لم يصبغ مؤخرًا أيضًا. والأمر نفسه ينطبق على الناس، إذ يمكن لتفصيل صغير للغاية أن يكشف الكثير جدًّا عن شخصية ما ويمنح مساحة كبيرة من الحرية للقارئـ(ة) كي (يـ/تـ)خيلها كما (يـ/تـ)ريد. كل ما ورد مفاده ألا تفرط في استعمال الكلمات حين يكون القليل منها كافيًا.

 

-       الحوارات محادثات، فليست شعرًا، ولا قطعًا لغوية جميلة لن يقولها امرؤ في الحياة الواقعية. كل حوار محادثة بين الشخصيات، وليس أداة للكُتاب كي يبهروا قراءهم. كما على الحوارات أن تعكس فترتها الزمانية، فلن تسأل امرأتان النادل خلال عشاء في مطعم خلال ثلاثينات القرن العشرين عما إذا كانت صلصة الخل منخفضة الكاربوهيدرات. وبالمثل، لن يتحادث كل من جورج واشنطن وألكسندر هاملتون بالعامية الحديثة.

 

-       لا تخشوا حبسة الكاتب. إنها جزء من العمل. لكن حين تشعرون فعليًّا بأنكم علقتم، حاولوا فقط تخيل ما قد يحدث لاحقًا في قصتكم إن حدثت أمور بسيطة للغاية... فلعل الثلاجة تتوقف عن العمل، أو تقول امرأة متزوجة لعشرين عامًا لزوجها فجأة إنها تريد جنسًا مشبوبًا بالغرام، أو تقع فتاة شابة فجأة في حب نادلها خلال وجبة عشاء. تخيل بعض السيناريوات فقط من أجل تحريك العقل. حاول التخيل فقط، فهو يحل قبل الكتابة. لا تنس أنك تحكي قصة، فيجب أن تحدث الأمور وإلا ستكون [القصة] مملة.

 

-       استمتعوا. يمكن للعثور على الكلمة المناسبة والجُمل المختصرة والتعبير عن أفكاركم أن يكون مؤلمًا للغاية، لكن أعظم هبات الكتابة هي الحرية التي تمنحكم إياها. الحرية في التواجد مع الشخصيات التي خلقتموها، والحرية في الكلمات التي اخترتم أن تقودوهم إليها. استمتعوا بالرحلة إن أردتم أن يستمتع قراؤكم بها أيضًا. وفي رأيي أن خازن تلك الحرية هو التواضع. فانظروا فيما كتبتم، ولا تنظروا إلى أنفسكم في أثناء الكتابة، إذ ستفقدونها في اللحظة التي تتخذون فيها خطوة إلى الوراء وتنظرون إلى أنفسكم بوصفكم كُتابًا بدلًا من التركيز على الكتابة ذاتها. يجب أن ترغبوا بصدق في الغوص في الخيال، حيث تلتقي الحياة بالحكاية، ويجب أن تكون متخفيًا وكتومًا في تحريكك الدمى.

 

-       لا توجد قواعد. آخر وأهم قاعدة هي أنه لا توجد قواعد. لو كانت هناك خطوات بسيطة إلى الكتابة العظيمة لكان الجميع قد اكتشفوها الآن وصار العمل مملًا. لكن كل شخص بحسب نفسه؛ فكن كما أنت، واخترع بعضًا من قوانينك الخاصة.

 

2020-11-24