كثيرًا ما كانت تَرْتقُ ما مزقَتْهُ الأيام وباعدت بين أطرافه ، بإبرة من صبرٍ وخيطٍ من أمل ،
سكبت دموعها سخيّة في عتمة الليل ، شوقًا لنور شمعة تُزين كعكة ميلاد أحدهم ، يُضيئُهُ بريق عيونهم ،
شوقًا لتكبيرة عيد تجمع فرح قلوبهم ،
وحسرة على مائدة عشاء فاضت على أطباقها شهيتهم ...
تعلمتْ فن الصبر والصمت وأتقنته ...
حتى الزوج الذي كان يوما مُحبًا ، تبدلت حاله واتقن فن القسوة واللامبالاة ...
نزف عمرها كرامة ، وانتحب كبرياؤها ألمًا.
قررت أن لا تعذبهم بجراحها ،
سعدت بزيارة خاطفة منهم يكسرون بها جبين الغياب ،
أو إتصال سريع ،يُعين قلبها على مواصلة خفقانه ،
لن تجعل من حبها سلاسل حول أعناقهم ،
فليمضوا أحرارًا في دروب الحياة ، تُرافقهم دعوات قلبها وصلواته ...
ودون إنذار مُسبق ،تُعلن منظومة الطبيعة إنقلابها الحاد ، إنقلابٌ يَختصرُ المسافات ،
ودون أستدعاء واستعداد وتجهيز لحقائب سفر أو جوازات ، يعود الغياب ، كلُّ الغياب ،
يَعُمُّ السكون ...
تمتص ( كورونا - غير مشكورة-) ضجيج العالم ...
يرقصُ قلبها ، خوفاً ، فرحًا ، حبًا ، شوقًا ...
أخيرا صار البعيد قريب ، وأُغلق العش على طيورٍ ، كانوا قد فرّوا منه باكراً ...
كان اللقاء مغمورا بالحب صافيًا ، رقراقًا ، حماسيًا...
وبدأت أوراق الرزنامة تتساقط متتالية ، تشابهت بها المساءات والصباحات ،
وأُشعلت ذات مساء ،شمعة لعيد ميلاد ،
لم تر إنعكاس ابتساماتهم على ضوء الشمعة ، باهتًا فاترًا بدا لها ،
تقلّص وجفّ حلقها ، وتاه لحن الأغنية
حين انقطعت سلسلة المرح وخنقتها العبرات .
ما بين الغربة والغربة ، سكنت الأشواق والآهات والمسافات ...
جمعتْهُم جدران بيت واحد ، وفرقت بينهم جدران الحجرات !
كل عاد الى ذاته التي أوجدتها الغربة ،
اختفى كل صوت في المنزل ، وصار القريب بعيدًا ، وصدى نداؤها يَطرُق الأبواب ...!
وبحركة مُباغتة من ذوي القرار ، تُفتحُ الأبواب نصف فتحةٍ ، لتفِرَ العصافيرُ
مسرعة تبغي الإنعتاق ...
تقفُ على عتبة الدار مُودعةً ، وخوفٌ من غروب يجتاحها ، وشوقٌ يُلّحُ عليها ، لم يعد بإمكانها مُراوغته أو الكتمان ،
إكتشفت أنها إنما تشتاق نفسها وتريدها
قبل حلول ظلام لا يقبل الأعذار .
خالدية أبو جبل
طرعان ، الجليل الفلسطيني
4/5/2020