الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'الوسط اليوم' يحاور الشاعر والأديب المقدسي رفعت زيتون

من سلسلة حوارات الوسط اليوم

حوار خاص أجراه جميل حامد

 " الوسط اليوم " وبغيرته الوطنية والثقافية، ما زال وبهمّة عالية يعمل في الشقين دون كلل، ويدأب أن يكون فاعلًا ومساهمًا في الحراك والإعلامي والثقافي على حدّ سواء، من أجل رفع كفّة الميزان الإيجابية رغم كلّ الظروف والأجواء القاسية، خاصة في فترة الكورونا، وهذا  التخبط والارتطام الذي يعاني منه الوطن بشكل خاص، والعالم أجمع بشكل عامّ، فقد ألقت الكورونا بظلالها وبخيوطها المتشابكة اللامرئية على الإنسان، فأربكته، واحتلّته، واستباحته نفسيًّا ومادّيًّا وصحّيًّا، ورقد البشر تحت رحمتها  منزوع الثقة مسلوب الإرادة، في كلّ المجالات الحياتية الأخرى، لا حول له ولا قوّة. ولأنّ الحوار مرآة النفس والإنسان والمجتمع، جعلناه مشروعنا القادم، وعلى قدم وساق سنتناول شرائح متعدّدة الهويّات والبلاد في مرايا ملوّنة، محدّبة ومقعّرة  تعكس الواقع والحياة، نبدؤها من القدس الشريف مع الشاعر والاديب المقدسي الاستاذ رفعت زيتون :

الوسط اليوم- بالتّأكيد أوّل ما سنبدأ به حوارنا جائحة كورونا، وأنتم ذهبتم إلى ما هو أبعد من التّحليل والاستشراف، من خلال روايتكم "أكثر من كورونا" .. كيف انعكست الجائحة على الفعل الثّقافيّ في القدس بشكل خاصّ، وفي الوطن بشكل عام، وعلى المثقّف المبدع نفسه؟

*زيتون- بداية شكرًا لكم أستاذي الكريم جميل على هذه الاستضافة في جريدة الوسط اليوم، وعلى هذا الحوار الّذي يتطرّق إلى أحداث تعيشها فلسطين والمنطقة والعالم أجمع... أمّا في ما يخصّ جائحة كورونا وأثرها على المشهد الثّقافيّ الفلسطينيّ والمقدسيّ، وكذلك على المثقّف، فقد كانت كارثيّة إلى حدّ بعيد، من حيث التّوقّف شبه العامّ للنّشاطات الثّقافيّة وغيرها، في المدينة الّتي اعتاد أدباؤها على الحراك الثّقافيّ في المدينة وخارجها...

وعلى سبيل المثال، علّقت ندوة اليوم السّابع المقدسيّة كلّ نشاطاتها الأسبوعيّة والّتي لم تتوقّف منذ ما يقارب الثلاثين عامًا، حيث اللّقاء الأسبوعيّ لمنقاشة الكتب المختلفة، واستضافة الأدباء والفنّانين والمبدعين.. كلّ ذلك توقّف منذ الإعلان عن الجائحة، فلم يجد أهل النّدوة بدّا من العودة للقاءات في هذا الشّهر عبر برنامج الزوم. ونادي النّخبة الثّقافيّ الّذي اعتاد أعضاؤه على اللّقاء مرّتيْن في كلّ شهر منذ بضع سنوات، توقّفت نشاطاته كلّيًّا، وغير ذلك الكثير من الفعاليّات.

هذا الشّلل الّذي أصاب الحركة الثّقافيّة والمؤسّسات، لم يحدّ من حراك بديل في مسارات مختلفة أخرى للمثقّف، خاصّة في وسائل الثّقافة الاجتماعيّ، فوجد فيها ملاذًا لنشاطاته الّتي اعتاد عليها، وقد شغلت هذه الجائحة جزءًا كبيرًا من وقت المثقّف المقدسيّ وقلمه، ولعلّها كانت في بداياتها المادّة الدسمة لكلّ كاتب بكلّ تناقضاتها وإرهاصاتها وافتراضاتها، ولعلّ الكثيرين منهم تبنّوْا آراء مختلفة، كلٌّ وفق ما يؤمن به.

*الوسط اليوم - على عكس التّحليل السّياسيّ الّذي يرتبط بالحدث والمستجدّات على السّاحة، يرتبط النّص الإبداعيّ بالنّاس ومعاناتهم. أستاذنا رفعت زيتون، هل تتفق معي على أن المبدع حايا، يعاني في العثور على موضوع النّص الّذي يمنحه المتعة، ويمنح النّاس الأهمّيّة دون الإفراط بالخيال؟

*زيتون- اهتمامات النّاس تختلف من إنسان لآخر، نتيجة اختلاف البيئة، والثّقافة، والمستوى العلميّ للفرد وكذلك العمر، وهذا يفسّر ميول الأفراد المختلفة للمواضيع والكُتاب، لهذا قد أتّفق نسبيًّا وليس كلّيًّا مع فكرة صعوبة العثور على موضوع يمنح المتعة للكاتب، ويلاقي في ذات الوقت اهتمام النّاس، فلكلّ كاتب مواضيعه الّتي تمنحه الشّعور بالرّضا، والّتي تلاقي الجمهور الّذي ينتظرها.

وقد نجد بعض الكتاب الّذين يبحثون عن القارئ وما يريد، وهم قلّة حسب رأيي، وهنا تكمن مشكلة الكاتب، فيضطر للافراط بالخيال لإرضاء قُرّائه، وربّمنسبيًّاا يكون ذلك على حساب شيء من الإبداع.

*الوسط اليوم- هل أنتم راضون عن تأثير النّخبة الثّقافيّة على حالة الوعي الإنسانيّ والوطنيّ في المجتمع العربيّ بشكل عامّ، والفلسطينيّ بشكل خاصّ؟

*زيتون- النّخبة الثّقافيّة في المجتمع العربيّ نسبيًّا تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأوّل قسم يُسبّح بحمد الأنظمة ليل نهار، ويعيش في ظلّ نعمتها يرجو ثوابها ويخشى عقابها، ينشر أفكارها ويضربون بسوطها، وهم كثر. وقسم اختار الحياد، أو على أقل تقدير عدم مواجهة الأنظمة، وخاصّة الطاغية منها. وقسم أقلّ عددًا من هؤلاء، ولكنّهم الفئة الّتي لم تبع نفسها بثمن بخس، واختاروا حرّيّة الفكر والرّأي، فكان حظ هؤلاء الملاحقة والسّجون وقد يصل للاغتيال.

بالتالي أصبح دور المثقّف مغيّبًا، ودون المستوى المطلوب من التّأثير في المجتمع، وهذا التّقسيم انعكاس لتقسيم المجتمعات، ولكن بنسب مختلفة. ولعلّ السّواد الأعظم للنّاس كان من هؤلاء الّذين اختاروا الحياد، فلم تعد مشاهد الاحتجاجات مألوفة، بل إنّ البعض قد يصف من يقوم بها بالحمق، وهذا بحدّ ذاته أثر سلبًا على المثقّف الّذي لن يجد من يدعم مواقفه..

* الوسط اليوم- التّطبيع وتغيّر المفاهيم : هل تخشون من التّطبيع العربيّ الإسرائيليّ على استبدال المفاهيم الثّقافيّة، للشعوب العربيّة الّتي انحازت دومًا لصالح القضيّة الفلسطينيّة بثقافتها التّحرّريّة، خاصّة وان ثقافة السلام "التّطبيع تفرض لغة وخطابات وإرهاصات مختلفة، وغريبة على المزاج الثّقافيّ العام؟ وما الّذي يقلقكم على هذا الصّعيد؟

*زيتون- لم يعد ذلك تخوّفًا ممّا هو قادم، بقدر ما قد أصبح حقيقة على أرض الواقع، ولم تعد لغة التّلميح في هذه القضيّة سيدة الموقف كما كان سابقًا، بل أصبح التّصريح هو اللّغة الأم، بل وتعدّى ذلك إلى التّصريح بوقاحة...

لا شكّ أنّ هذا سيؤثّر سلبَا على دماغ الإنسان العربيّ الّذي ينهل من فكر المثقّفين والكتاب، فإذا ارتمى جزءٌ من هؤلاء في أحضان المحتلّ وتبنُوا مواقفه، وتحيّد الجزء الباقي لأسباب ذكرتها سابقًا، فلسوف تخلو السّاحة الفكريّة والثّقافيّة من كلّ ما هو وطنيّ، ولسوف يأتي جيل قد رضع فكرة التّطبيع، وقبول ما لا يقبل من ثدي هذه الثّقافة الدّخيلة والغريبة.

*الوسط اليوم- هل أنتم راضون عن استخدام المثقّفين العرب لمنصّات الثّقافة الاجتماعيّ بألوانه المختلفة، وبرأيكم، أين أخفقنا في استخدام هذه الخدمة الكونيّة، وأين نجحنا؟

* زيتون - منصّات الثّقافة الاجتماعيّ شأنها شأن المرافق الثّقافيّة الأخرى، تعتبر وسيلة لتقديم الكتّاب وما يكتبون والتّعريف بهم، وبالتّالي زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع، ورفع المستوى الثّقافيّ والفكري، ولا شكّ أن ذلك قد حقّق الكثير من النّجاحات في تبادل المعرفة والثّقافات بالانفتاح على الآخر...

ولكن صاحَب ذلك بالمقابل الكثير من الإخفاقات، لعدم وضع المعايير من قبل ذوي الاختصاص، وانعدام التقييم الموضوعيّ للنصوص وأصحابها لأسباب كثيرة. هذه الثّقافة الفيسبوكية لا تعتمد مرجعيّات معروفة في التوجيه والتقييم والتدريب. وبالتالي، عمّت الفوضى، واختلط الحابل بالنابل والغثّ بالسمين، وأصبحت المنابر مرتعًا لكل مُدّعٍ وجد من يصفق له.

ومن هنا وجب الوقوف على هذه الظاهرة ودراستها، ووضع الحلول والخطط للنهوض بالثّقافة والأقلام الناشئة، وفق أسس وقوانين وبرامج خاصّة تضعها مؤسّسات مسؤولة؛ كوزارة الثّقافة واتحادات الكتاب وغيرها...

ولعلي أنادي من خلال هذا اللّقاء وهذا الصّرح الكريم، بإنشاء وحدة أو لجنة تابعة لاتّحاد الكتاب تختصّ بالنقد، يتمّ اختيارها  وفق معايير خاصّة ودقيقة، يكون من صلاحيتها منح من يستحقّ لقب أديب وشاعر.

شكرًا لك أستاذ جميل على هذه الفرصة، وشكرًا للوسط اليوم.)

2020-12-01