السبت 7/11/1444 هـ الموافق 27/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
وقفة مع حادثة مقام النبي موسى....فادي أبوبكر

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين موجة غضب عارمة، إثر انتشار فيديو يوم 27 كانون أول/ ديسمبر 2020 يظهر فيه مجموعة من الشبان والشابات وهم يتراقصون ويشربون الخمر  في حفل صاخب داخل مقام النبي موسى، شرقي القدس المحتلة. حيث أثارت هذه الحادثة حفيظة الشارع الفلسطيني بصورة كبيرة، لدرجة أن  رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية  أعلن في غضون ساعات قليلة عن تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على حيثيات ما جرى.

لم يكن ذلك اليوم حدثاً عادياً، ولكنه أيضاً لم يكن جديداً، حيث سبقه بيوم واحد فقط إحراق شجرة الميلاد المجيد بمدينة سخنين في الداخل الفلسطيني المحتل على يد مجهولين، الأمر الذي يستدعي  وقوفنا على هكذا خطب جلل، وأن نلفت الانتباه إلى جملة من النقاط.

إن الخطورة التي تُشكّلها حادثة مقام النبي موسى، لا تكمن فقط في تدنيس أماكن العبادة، فالأماكن لها ربٌ يحميها، وقدسيتها محفوظة  حتى نهاية الأزمان. فها هي القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية يتم تدنيسها يومياً من قبل قطعان المستوطنين، وسبق أن كانت مدينة القدس تحت نير الاحتلال الصليبي طوال 88 عاماً، دنسوا خلالها المقدسات وحطموها وخربوها.

 تكمن الخطورة الحقيقية  وراء هذه الحادثة وغيرها، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، في إسهامها بترسيخ صورة نمطية مشوّهة عن الشعب الفلسطيني العظيم، والمعروف عبر التاريخ بأنه رأس حربة في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية  على حدٍ سواء.

  وكما يستهدف مسلسل التحريض والتشويه الإسرائيلي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وأسراه ونضالاتهم التأثير على الرأي العام الدولي، فقد رافق موجة التطبيع العربي – الإسرائيلي، اعتماد بعض الأنظمة العربية سياسة خبيثة تستهدف تشويه الحقائق للشعب الفلسطيني بأكمله من جانب، وترسيخ صورة نمطية مشوّهة عن الفلسطينيين في أذهان الناس من جانب آخر، وذلك في سبيل تسهيل وتسيير العمل باتفاقات التطبيع مع "إسرائيل"، وإقرار واقع جديد يتماشى مع رؤية هذه الأنظمة الضيقة.

وكانت وسائل الاعلام الإسرائيلية قد كشفت عن خطة إسرائيلية  لجلب بعض الدول العربية للإشراف على المسجد الأقصى، حيث تحاول "إسرائيل" عملاً بمبدأ ( فرق تسد) إغراء كلاً من الإمارات والسعودية بالدخول على خط الإشراف على الأماكن المقدسة بمدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى خاصة، في منافسة للدور التركي والأردني المشرفان على الوصاية منذ زمن طويل.

وقد شهدت العلاقات الأردنية - السعودية توتراً في الأعوام القليلة الماضية فيما يخص الوصاية على المقدسات في القدس،  وترغب الإمارات على وجه التحديد بإيجاد دوراً يزاحم النفوذ التركي المتصاعد بين المقدسيين.  وكان  وزير شؤون القدس الإسرائيلي الحاخام رافي بيرتس، قد أعلن عن خطة لجلب آلاف السوّاح الإمارتيين إلى القدس، للإقامة في فنادقها والصلاة فيها لتعزيز مكانة المدينة كعاصمة لإسرائيل، ما يعكس وجوباً التناغم الإماراتي الإسرائيلي في هذا السياق.

وعليه يمكن القول، أن الدول المُطبّعة مع الاحتلال الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات تُمارس "الاستشراق" بصورته "العربية"، وتسعى عبر أدواتها الإعلامية مثل ( سكاي نيوز العربية وقناة العربية) لتشويه صورة الفلسطينيين، حيث أعدّت قناة العربية تقريراً صحفياً مصوّراً خبيثاً حول حفل مقام النبي موسى، وستستغل أي حدث مشابه، لخدمة أهدافها في السيطرة على العقول العربية،  لتُقدّم الإمارات نفسها لاحقاً على أنّها الأحرص على أن تكون الوصيّة والمشرفة على المقدسات !.

إن حادثة مقام النبي موسى بحاجة إلى وقفة جادة، وأن تأتي فئة قليلة ضالّة ومتجرّدة من الحياء والدين والاخلاق، لتشوّه سمعة المجتمع الفلسطيني، فإن ذلك لا يجب أن يمر مرور الكرام، وشعبنا لا يقبل إلا بمحاسبة جدية وإيقاع أشد العقوبات بحق هذه الفئة ومن سمح لها أو تغاضى عنها. وبالطبع فإنه من غير المنطقي أو المقبول أن يتم إلقاء المسؤولية الكاملة على عاتق فتاة بعينها عن هذه الحادثة الخطيرة،  لأننا نتحدث عن حدث جلل وعن سمعة شعب عظيم يسعى أعدائه لتشويهها وتغيير أي صورة نمطية جيدّة عنه لدى شعوب العالم.

يُشار إلى أن  قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 هو المعمول به في الضفة الغربية، وتنص المادة 275 منه على أن :"كل من خرب أو أتلف أو دنس مكان عبادة أو شعاراً أو أي شيء تقدسه جماعة من الناس قاصداً بذلك إهانة دين أية جماعة من الناس أو فعل ذلك مع علمه بأن تلك الجماعة ستحمل فعله هذا على محمل الإهانة لدينها يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين أو بغرامة من خمسة دنانير إلى خمسين ديناراً".

وإن كان المشاركين في حفل مقام النبي موسى، سيحاكمون وفقاً لهذا القانون بتهمة تدنيس أماكن العبادة، فكيف نحاسب من يقصد تشويه صورة مجتمعنا الفلسطيني؟.إن هذه الحادثة تدق ناقوس الخطر، وخصوصية الوضع الفلسطيني تستدعي وبشكل عاجل إصدار قراراً بقانون يُحاكَم فيه كل من يُقدِم على عمل من شأنه أن يشوّه صورة المجتمع الفلسطيني.

 

فادي أبوبكر

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

 

2021-01-01