الثلاثاء 18/10/1444 هـ الموافق 09/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قبل الختام يجب الكلام .. هاجرمحمد موسى

قيل قديما: 

"إذا أحببت احداً فـأخبره ليعلم.. وكررها ليطمئن.. واعمل بها ليوقِن..على أن تسكت عنها متى القلب سكت"

مما لاشك فيه بإن موضوع الإعتراف بالحب بأي شكل من اشكاله قضية شائكة منذ القدم، بدليل وجود عدد لا حصر له من الحكم والأمثال، والتى تدعو بالإعتراف واخبار الطرف الآخر بتلك المشاعر، وبالطبع لله ورسوله المثل الأعلى حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من كان في قلبه مودة لأخيه لم يُطلعه عليها فقد خانه (

ولكن ما الذي يجعل الأعتراف امرا شاقا على النفس، بالرغم من وجود خمس لغات للتعبير عن الحب؟

عجزت البشرية عن ايجاد لغة ووسيلة سهلة يستطيع بها الإنسان البوح، حتى صار البوح بالحب امرا مستحيلا يندم عليه الإنسان إذا فقد محبوبه دون إخباره، فلماذا لا نبوح بالكلمات، ونكتفي فقط بعذاب قلوبنا وفضح عيوننا لنا؟

هل بسبب الخوف من الإجابة؟ هل الكبرياء؟

هل بسبب رغبتنا للعيش في قصة خيالية في احلامنا مع شخص معين، حتى ولو كانت مستحيلة في الواقع ؟

هل القلق من المجهول والفوارق الطبقية التى اصبحت تتحكم في كل شيء، حتى دقات قلوبنا اصبحت تخضع لمبدأ التسعير ؟

آلاف من التساؤلات التى يسألها كل إنسان لنفسه وفقا لظروفه وايدلوجياته، ولكن يبقى السؤال لماذا نخشى البوح ؟

هل نخشى ان نغرق في بحور المشاعر، ام نخشى ان نستعبد إذا أظهرنا ضعفنا لإنسان أخر؟

عندما كنت صغيرة شاهدت فيلم في السينما مع أسرتي بعنوان"صعيدي في الجامعة الأمريكية"، كان" هنيدي" وهو البطل يحب "غادة عادل"، وهي فتاة من طبقة ارستقراطية لا تبادله اي مشاعر، وتحب المدرس الجامعي، ورغم كل محاولاته ان يجذب اهتمامها  لم تره حتى عندما اعطاها "دمية" لعيد الحب، هي قامت بدورها بإعطائها للمدرس الذي ينال اعجابها مما اصاب " هنيدي" بصدمة عاطفية، بالرغم من إعجاب "منى زكي" زميلته به، ولكنها لم تصرح بذلك .

يومها كطفلة سألت أبي رحمه الله: لماذا لم تشعر هي بحبه؟ ولماذا أخدت الدمية؟ ولماذ لا تتحدث زميلته معه؟

قال لي: يا أبنتى،  هو فقير وهي من الأثرياء، فكيف ستشعر به ودميته غالية على قلبه لإنها بمشاعره، ولكن رخيصة بالنسبة إليها لإنها لا تراه.

قاطعته: هو القلب فيه غني وفقير ؟

قال لي: لا ولكن فيه شخص يُقدّرمشاعر الناس، وشخص يُرخّص مشاعرهم وافعالهم.

سألته: وزميلته يا بابا؟

قال لي: زميلته من الصعب ان تصارحه.

قاطعته: لماذا؟ فأنا أقول لأصدقائي إنى احبهم.

فجاوبني: إن الناضجين وخاصة البنات، لا يصح ان يقلن عن مشاعرهم شيئا، فالبنت المهذبة لا تعترف، ولو حتى بلغة العيون.

يومها لم أفهم  ما علاقة البنت المهذبة بالأعتراف، ولكن عاهدت نفسي ان اطيع أبي وان احب، ولكن بلا كلمات او نظرات، وأن انتظر من احب ان يعترف لي، فأبي رجل حكيم.

ولكن للأسف، حتى أبي لم اجد الوقت المناسب للإعتراف له بإني احبه، فقد مات ولكن الغريب بإنه قال لأمي بإنه يحبها، وهو على فراش الموت قال لها: "بحبك".

لماذا انتظر للختام ليعترف؟ لماذا عاش كل قصته بطلا صامتا، وهي المسكينة كانت تظن انه لا يحبها، بالرغم من افعاله، وكم كانت تتمنى ان يقول الحب لها بالكلمات.

وبالرغم من ان الإعتراف لا يفيد إلا بجعلنا بؤساء، ولكن عن نفسي، لن اكرر خطأ ابي، وسأعترف لمن احب، ولكنى سأنتظر قليلا قبل ان اعترف، إن  وجدت في قلبه شيئا مختلفا.

لو تحدثت من الان الى الغد، فلا أحد سيفھم ماذا تعني لي أحبك، فهل من الممكن ان تعترف انت اولا، لأن الفتيات في بلادنا العربية تخشى البوح؟

لن اعترف بإنى احبك، ولكن إذا اعترفت أنت، ستجد في قلبي كل الاحتواء الى نهاية العمر.

2021-03-02