الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحيواني في الإنسان... الشكل والمضمون / صالح جبار محمد

لا تكتمل صورة الإنسان في الأطر المثالية إلا في القيم الأخلاقية .. وكلما كان النسيج الفكري متيناً ازداد تأثيره على التفكير والفعل ...

وكانت دائماً تستخدم(النظرية والتطبيق) للأفعال الإيجابية وللتعسف أيضا,وقد قادت الأفكار الخلاقة لأسوأ أنواع التعسف وحتى نصنف العنصر يجب العودة إلى تطور الإنسان ... لنفصل الإنسان عن الحيوانات الأخرى بالنحو التالي : فالمملكة الحيوانية يتغير نمط السلوك والعادات فيها ببطء وان نمط السلوك وراثياً بدرجة كبيرة مثل :سلوك النمل والنحل وكأنه سلوك لم يتغير منذ النشوء . أما في حالة الإنسان تتغير أنماط السلوك أسرع بكثير وهي مرتبطة بالثقافة وليست وراثية. وفي الماضي كانت السرعة بطيئة جدا ضمن الجيل الواحد , لذا كان التعديل مع التغيرات الثقافية ممكنا . في الوقت الحاضر يبدو التغيير يحدث بسرعة , حيث نمط السلوك يتغير جوهريا ضمن الجيل الواحد ... فكلما كان التغيير سريعا فأن سرعة التغيير تواجه نوعيا حالة جديدة... من خلال ذلك نكتشف إن الإنسان _خلاصة التاريخ_ فقد جرب المجتمع الإنســــاني شفرتهُ الأخلاقية لترتبط بعدالة عليا ( المبادئ الدينية ) ومع ذلك بقي يعيش في شخصيتين متناقضتين ( العبد والسيد ) و(الثائر والجبان ) ,لينشئ داخله تضاد فكري يبرز عند المحك, فترى الثائــر ينتفض ويرفض الظلم ولا يهادن في المقابل يظهر النقيض , حيث الذل و الهوان... وفي حدود التصور الأخير ينمو النموذج الحيواني في مفردات التعامل اليومي , حيث لا يغادر خانة الغريزة بكل أشكالها... غريزة البقاء و التناسل , والتوجه النهم لملذات الحياة..فلا يستطيع بناء حضـارة, لأن السلوك الإنساني ينحو بالاتجاه الحيواني المبني من جينات الغريزة و أفعالها. .... وقديما حدد الفيلسوف (ابيقور) الشهوة إلى متحــــركة وثـــــابتة فالأولى تمثل التهــــــام الطعــــام وممارسة الجنس وهذه مزج بين المملكة الحيوانية و الإنسان . فالــــــروح الحيوانية متأصلة لدى الجميع من هذه الناحية..... وفي غمار اللذة _الشهوة _ (الثابتة) يتدارك (ابيقور) بأنها التفكير و التأمل ومن خلالـــها برزت الأفكار العظيمة التي ساهمت في تغيير الأنماط السلوكية للفرد. ولان الإنسان مرتبط بالمثل العليا و المبادئ الدينية فيجري تفسير (الشهوة ) و (العقل) على أساس تفوق أحدهما على الآخر فعند انتصار الشهوة _وهي حيوانية _يكون الإنسان في مرتبة البهـــائم بغريزته التي لا يستطيع كبح جماحها... وإذا تغلب العقل وهو _ الإنساني _ على الشهوة فيسمو لمرتبة الملائكة ,لأنه استطاع التغلب على شهوة الحيوان الراقد داخله . وفي الصور القرآنية عصيان آدم يمثل عصيان شهواني (عصى آدم ربه وغوى ) الآية .. إن ما حصل هو التهام التفاحة لشهوة الخلود و البقاء و الديمومة السرمدية لتؤكد في البدء إنها جزء أساسي في التركيبة الإنسانية وليست جزءً عابراً , يمكن التخلي عنه بسهولة , لذا يؤكد مقتل ( ابن آدم ) تعبيراً حقيقياً لمكنون النفس , وعن الحيواني المختبئ في الشخوص مما يؤكد الطبيعة العدوانية للبشر .... لهذا ادخل الإسلام مبدأ (النية) في العمل بكل أنواعه, واعتبره أساسيا لا يمكن الحياد عنه... وفي الحديث الشريف ( إنما الأعمال بالنيات ) لان في بواطن النفس البشرية تكمن النوازع المختلفة من الآدمية و الحيوانية ويؤكد المسار الحقيقي لمكنونات التداخل الوظيفي عند الإنسان. وفي الحديث القدسي الشريف: (يا بن آدم خلقتك للعبادة ,فلا تلعب , وقسمت لك رزقك فلا تتعب , فان رضيت بما قسمته لك , أرحت قلبك وبدنك ,وكنت عندي محموداً, وان لم ترضى بما قسمته لك , فبعزتي وجلالي لاسلطن عليك الدنيا , تركض فيها ركض الوحوش , ثم لا يكون لك فيها , ألا ما قسمته لك , وتكون عندي مذموماً). والحديث يؤكد حقيقة الحيواني في الإنسان في تضارب الأضداد للحصول على المتراكم الكمي من خلال التنازع.

2012-11-25