الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جورج قنازع صديقا ورفيقا (بمناسبة ذكرى الاربعين لوفاته) ...بقلم: د. حاتم عيد خوري

كثيرون هم الذين تحدثوا وكتبوا وسيتحدثون وسيكتبون عن بروفيسور جورج قنازع باعتباره استاذا جامعيا رائدا بارزا وباحثا متعمِّقا جادًّا ومتحدثا مُصقَعًا مُفوّهًا  ومحاضرا مميزا وصفَهُ احد طلابه وهو الاستاذ اسعد موسى عوده بقوله: "شُرّفتُ بان أكون أحدَ طلابه على مدرجات جامعة حيفا، فبرز الرجل في محاضراته وخارجها، بدماثته وخُلُقه وعمقه وطلاوته وبحسن تناوله وسلاسة اسلوبه، وهو يرفل بحيوية العارف وجديّة الباحث وتواضع العالِم..". نعم كثيرون هم الذين تحدثوا وسيتحدثون عن بروفيسور قنازع، أما انا فسأتحدث عن جورج الصديق والرفيق.
كانت البداية قبل ستين سنة في الجامعة العبرية في القدس. كان ذلك في إطار لقاء جمعَ كوكبةً من الطلاب العرب. تداولنا  في بعض القضايا التي كانت تهمُّنا آنذاك كطلابٍ وكابناء لمجتمع كان ما زال يلعق جراحه ويجمّع اشلاءه التي بعثرتها النكبة. تشعبت الاراء وتباينت المواقف واختلفت ردود الفعل فبانت الفوارقُ الفردية بين طالبٍ واخر. رصانة جورج وقدرتُه على الإصغاء للآخَرين ومراعاتُه لمشاعرهم  لفتت انتباهي ونالت احترامي. وضوحُ رأيه وسلامة منطقه وقوة حجّته وحضور ابتسامته اكتسب تقديري واعجابي. إشراقُ صورته التي انطبعت آنذاك في وجداني، لم يكن ومضة نار لمعت لتنطفيء ولا شهابا التهب ليختفي  إنما اصبح شعلةً أنارت لصداقتنا بدايةَ الطريق.. 
كنّا ندرس في كليتين مختلفتين لكنّ النشاطات الطلابية المتعاقبة كانت تجمع بيننا بين فينة واخرى. تفتحت بيننا براعم صداقةٍ ما لبثت أن توطّدت بانضمام صديق مشترك. اصبح الاثنان ثلاثة: جورج قنازع وسامي مرعي وانا... تهادت بنا سيارة سامي الصغيرة (فيات 850) في بحرالعزوبية الممتد  بين القدس وعرعرة والناصرة وفسوطة ، ليكتشف كلٌّ منّا أنّ له بدل الام الواحدة ثلاثَ أمّهات يكتنِفنَهُ بمحبتهنَّ، وأنعَمُ انا مثلهما بترحيب وبمحبة ام سامي في عرعرة وام إيليا قنازع في الناصرة. وتستمرّ "الفيات" في عومها لترسو ويرسو معها كلٌّ منّا بدوره في عكا وحيفا والناصرة، ليجد هناك، نصفَه الأخَر النصفَ المكمّل.. وهكذا يصبح الثلاثةُ ستةً وبالدعائم الست تزداد علاقتُنا اتزانا وثباتا واستمرارية ،  حتى خلال فترة تواجد كلٍّ من جورج وسامي في الولايات المتحدة الامريكية، لإعداد رسالة الدكتوراة. نعم لم تنقطع علاقتنا، وذلك رغما عن "المتوسط" بطوله و"الاطلنطي" بعرضه. إذ حلّت الكلمة المكتوبة مكانَ الكلمةِ المسموعة وباتت الرسائل الخطية جسرَ تواصلٍ بيننا ممتدًّا فوق حزمة كبيرة من خطوط الطول الجغرافية واضحت الكتابة امرًا مفروغا منه، أمرًا قد افرغَ بدوره في جعبتي، تاركا في عهدتي، رزمةً كبيرة من رسائل ما زلت احتفظ بها واعود اليها، لأسترجع ماضيا عزيزا غاليا إحتضنَ كوكبةً من أصدقاء أعزاء  محتفظا بهم الى يوم القيامة: فمن الدكتور سامي مرعي الى الدكتور موسى كريني الى بروفيسور بطرس ابو منه فجورج قنازع، تاركا إيّاي اردّد "ذهب الذين احبّهم "  نعم ارددها على وقعِ قولِ شاعرِنا المتنبي: "تكسرت النصالُ على النصال"، مستمدًّا تعزيةً كبيرة ممّا تركوه لنا من إرث علميّ كبير ومن سمعة طيبة عطرة  وقدوةٍ حسنة مِلهِمة  وخلفٍ صالح نعتزّ ونفاخر به. 
 تعازينا مجدّدةً للاخت العزيزة  آمال ام شادي وللأبناء الاحباء شادي واحلام  وهشام  وعائلاتهم والى شقيقة جورج والى كل الاصدقاء والاقارب والاهل سيما آل لحام الكرام الذين احبوا جورج فاحبَّهم جورج ومعه احببْناهم . لفقيدنا جورج الغالي رحمة الله الواسعة ولكم جميعا طول العمر والبقاء.
18/6/2021  

 

2021-06-25