الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مدى: 123 انتهاكا ضد الحريات الاعلامية خلال حزيران

 للشهر الثاني على التوالي شهدت فلسطين خلال حزيران الماضي موجة واسعة من الاعتداءات الخطيرة ضد الصحافيين/ات والحريات الاعلامية.

وبينما سجل خلال شهر ايار ما مجموعه 169 انتهاكا ضد الحريات الاعلامية في فلسطين فقد رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية "مدى" ووثق ما مجموعه 123 انتهاكا خلال شهر حزيران، وهو رقم مماثل تقريبا لسابقه، إذا ما اخذنا بالاعتبار ان 39 انتهاكا من مجموع ما سجل خلال أيار ارتكبتها شركات التواصل الاجتماعي الامر الذي انحصر خلال حزيران بانتهاك وحيد فقط ارتكبته شركات التواصل الاجتماعي.

وبجانب هذا، فقد شهد الشهر الماضي (حزيران) تطورا خطيراً ولافتاً، حيث ان الانتهاكات الفلسطينية وفي حالة نادرة الحدوث تجاوزت الاعتداءات الاسرائيلية من حيث عددها، وادت الى تدهور خطير على حالة الحريات الاعلامية في فلسطين.

وجاءت الاعتداءات الـ 123 التي رصدها ووثقها مركز "مدى" خلال حزيران موزعة على 69 ارتكبتها جهات فلسطينة، و 52 ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي، وانتهاك وحيد ارتكبته شركة فيسبوك واخر تمثل بحجب السلطات الاميركية موقع قناة "فلسطين اليوم"، علما ان معظم ما ارتكب من انتهاكات خلال شهر ايار (122 منها) تم على ايدي قوات وسلطات الاحتلال ومستوطنيه، في حين بلغ عدد الانتهاكات الفلسطينية 6 انتهاكات فقط، اضافة الى 39 انتهاكا ارتكبتها شركات التواصل الاجتماعي.

الانتهاكات الاسرائيلية

وشهد شهر حزيران ما مجموعه 52 اعتداء اسرائيليا ضد الحريات الاعلامية في فلسطين، تندرج معظمها ضمن الانتهاكات الخطيرة على الحريات الاعلامية.

ورغم التراجع النسبي في عدد الانتهاكات الاسرائيلية (هبطت من 122 خلال أيار الى 52 انتهاكا خلال حزيران) الا ان هذا الانخفاض لا يعكس تحسنا في الممارسة الاسرائيلية تجاه حرية الصحافة بل جاء كنتيجة مباشرة لتراجع كثافة الاحداث الميدانية التي شهدتها الاراضي الفلسطينية وخاصة مدينة القدس المحتلة خلال الشهر الماضي مقارنة بسابقه، وبالتالي فرص الاحتكاك بين قوات الاحتلال والصحافيين/ات في الميدان التي عادة ما تحولها قوات الاحتلال لمناسبة لقمعهم، للتعتيم على ما ينفذ من سياسات وممارسات قمعية احتلالية.

وكما العادة فقد شكلت الاعتداءات الجسدية المباشرة على الصحافيين/ات القسم الاكبر من مجموع الانتهاكات الاسرائيلية حيث بلغت 38 اعتداء، ما يمثل 73% من مجمل ما شهده الشهر الماضي من اعتداءات اسرائيلية، علما ان العديد منها نجم عن اصابات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز فضلا عن اعتداءات بالضرب.

وظهرت خلال الشهر الماضي وبشكل صارخ ومفضوح سياسة الاحتلال في سعيه لمنع التغطية، من خلال ابعاد وسائل الاعلام من اماكن الحدث بشتى السبل (الاستهداف الجسدي يعتبر ابرزها بالطبع)، حيث لجأ مؤخرا لذريعة جديدة واهية تتمثل في ان قوات الاحتلال لا تعترف ببطاقات الصحافة الفلسطينية، وبالتالي اقدمت على منع وصول العديد من الصحافيين/ات العاملين بالقدس المحتلة الى حي الشيخ جراح، بغية التعتيم على ما تعكف سلطات الاحتلال على تنفيذه من تهجير لعدة عائلات من منازلها لصالح المستوطنين وما ترافق مع ذلك من اعتداءات عليهم وعلى المتضامنين معهم.

وتم عبر هذا الاسلوب الجديد من عمليات التعتيم توثيق 8 اعتداءات على صحافيين/ات وابعادهم عن حي الشيخ جراح استنادا لهذه الذريعة.

وليس ما تعرضت له مراسلة قناة "الجزيرة" جيفارا البديري من اعتداء واعتقال انتهى بابعادها عن حي الشيخ جراح لمدة 15 يوما سوى دليلا على ما سلف ذكره (علما أنها معروفة لعناصر الامن وتحمل بطاقة صحافة اسرائيلية)، وهو ما بلغ مستوى اكثر فضائحية حين منعت شرطة الاحتلال بعد ذلك بايام الصحفي الحر يوسف عمرو الذي يحمل ايضا بطاقة صحافة اسرائيلية (وليس فلسطينية فقط)، من الدخول الى حي الشيخ جراح لتغطية اعتداءات نفذها مستوطنون اسرائيليون هناك يوم 22/6/2021، بذريعه ان بطاقته الاسرائيلية "من النوع الذي لا يسمح له بالدخول" الى الحي، ما يفضح كيف "تتفنن" سلطات وقوات الاحتلال الاسرائيلي في اختلاق الذرائع لابعاد الصحافة عن الميدان ومنع التغطية.

الانتهاكات الفلسطينية:

في حالة نادرة الحدوث، فان عدد الانتهاكات الفلسطينية تجاوز خلال الشهر الماضي عدد الاعتداءات الاسرائيلية، علما ان معدل الانتهاكات الاسرائيلية شكل على مدار السنين السابقة وما تزال نحو 70% من مجمل ما يسجل من اعتداءات ضد الحريات الاعلامية في فلسطين، مقابل حوالي 30% من الانتهاكات ترتكبتها جهات فلسطينية.

وبجانب الارتفاع الكبير في عدد الانتهاكات الفلسطينية التي قفزت من 6 انتهاكات خلال شهر أيار الى 69 اعتداء تمكن مركز "مدى" من رصدها وتوثيقها خلال حزيران، فان معظم هذه الاعتداءات جاءت ضمن الانتهاكات الخطيرة على حرية الصحافة والتعبير.

ولوحظ خلال الشهر الماضي، أنه كان هناك سعي رسمي فلسطيني واضح لمنع وسائل الاعلام والصحافيين/ات من تغطية الاحتجاجات التي شهدتها الضفة الغربية وخاصة في مدينة رام الله، ارتباطا بمقتل الناشط الحقوقي والسياسي نزار بنات، دون أي اعتبار لحرية الصحافة او سلامة الصحافيين/ات.

كما ولوحظ استهداف عنيف وصارخ لصحافيات على وجه الخصوص، وتُظهر افادات العديد منهن والسياقات التي وقعت فيها تلك الاعتداءات واستمراريتها وتكرارها واتساعها، وما تخللها من عمليات تهديد وترهيب وتشهير لاحق، واعتداء على الخصوصية.

وبرز هذا بوضوح جلي في الاستهداف المباشر للصحافيين/ات، وطبيعة الاعتداءات التي سجلت، والكيفية التي تعاملت بها اجهزة الامن والجهات الرسمية مع وسائل الاعلام والصحافيين/ات خلال محاولتهم تغطية الاحداث بل ومجرد التواجد في ميدان الاحداث.

وهنا يمكن ملاحظة مسألتين مترابطتين غاية في الخطورة، تمثلت الاولى بالزج بعناصر أمن واشخاص محسوبين على الاجهزة الامنية كما يبدو (وهم بزيهم المدني) لقمع الصحافيين/ات (والمتظاهرين/ات بالطبع)، الى جانب عناصر الامن والشرطة الذين كانوا بزيهم الرسمي، وامتناع عناصر الشرطة والامن (الذين كانوا بزيهم الرسمي) عن منع هذه الاعتداءات او تقديم اي حماية للصحافيين/ات الذين كانوا هدفا للاعتداء، حيث اكد العديد من الصحافيين/ات انهم طلبوا الحماية من عناصر الشرطة (الرسمية) لكنها لم تقم بذلك.

وتشير طبيعة الاعتداءات التي تم توثيقها الى ما سلف ذكره، حيث شملت الانتهاكات الفلسطينية الـ 69 التي تمكن "مدى" من توثيقها، 17 حادثة اعتداء جسدي وحالتي اعتقال، و11 عملية مصادرة واتلاف لمعدات صحافيين/ات، و21 حادثة منع تغطية، و8 حالات تهديد و7 حالات تشهير خطيرة (اضافة لمجموعة اخرى من الاعتداءات)، فضلا عن عمليات المنع من التغطية التي لم يكد ينجُ منها احد من الصحافيين/ات الذي حاولوا تغطية تلك الاحداث.

ويمكن اختصار جانب من صورة ما جرى وخطورته بما تعرضت له الصحافيات من استهداف واعتداءات عنيفة تنطوي على ابعاد مستقبلية شديدة الخطورة، حيث تعرضت الصحافية نجلاء ابو زيتون على سبيل المثال للاعتداء اكثر من مرة، احداها كانت بضربها بعنف بعصا على كتفها وذراعها اليسرى، ما تسبب لها برضوض شديدة، وشذى حماد التي اصيبت بشظايا قنبلة اطلقت نحوها ما تسبب لها بجرح اسفل العين بطول 2 سم، والاعتداء على الصحافية سجى العلمي للاستيلاء على هاتفها وملاحقتها الى داخل احد البنايات من قبل عناصر بزي مدني، ما اضطرها للاختباء نحو ساعة في احدى دورات المياه للافلات منهم، وكذلك التشهير والتحريض على الصحافيات نائلة خليل وفاتن علوان وجيهان عوض (اضافة لـ 4 صحافيين اخرين)، ونشر اسمائهم من قبل صفحة "ابناء حركة فتح – الرد السريع" ضمن ما اسمته تلك الصفحة "قائمة العار" متهمة اياهم بانهم مرتبطين بجهات اخرى، وذوي اجندات خارجية، هذا فضلا عن مصادرة هواتف العديد من الصحافيات والصحافيين وما تعرضت له الصحافيات من شتائم وترهيب وتهديدا بالمساس بهن خلال محاولتهن تغطية تلك الاحداث في الميدان.

2021-07-06