السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كيف نساهم في كبح جماح الأزمة المناخية؟.....جورج كرزم

 يتفق المجتمع العلمي بمعظمه على أنه في القرنين الماضيين حدثت تغيرات مناخية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، وهذه التغيرات مرتبطة سببيًا بالنشاط البشري؛ إذ كل عمل تقريبًا يمارسه الإنسان- وبخاصةً مواطنو العالم الأول الصناعي والغني - يترك خلفه بصمة كربونية يجب تقليلها قدر الإمكان بهدف مكافحة الأزمة المناخية.

المواطنون الذين يرون أنفسهم جزءًا من الإنسانية ويسعون للمساهمة في وقف الأزمة التي تهدد الأجيال القادمة، يجب أن يتصرفوا، ليس فقط على مستوى الحياة اليومية الخاصة والسلوك الذي يقلل من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، بل أيضًا- وربما الأهم- على مستوى المجتمع والدولة.  

وبهذه الطريقة، يمكننا حث السلطات والشركات على التحرك بسرعة وبإصرار وبطريقة تتناسب مع خطورة الموقف. لتحقيق هذه الغاية، يجب على المرء أن يتعلم عن الأزمة والحلول الممكنة لها من مصادر موثوقة ومؤهلة، وتبادل المعلومات الموثوقة والصحيحة علميًا.

يجادل بعضٌ بأن الحديث عن الحد من البصمة الكربونية الفردية (على المستوى الشخصي) ينقل المسؤولية من الحكومات والشركات - التي خلقت الأزمة والمسؤولة عن استمرارها - إلى المواطنين. 

وبذلك، يخدم هذا الخطاب من هم في السلطة والذين يتصرفون كأن "العمل كالمعتاد" (business as usual)، وبالتالي لا يغير الواقع بشكل جذري.  

وبحسب رأي النقاد، لن يتغير الوضع بمجرد استبدال المصاصات البلاستيكية بأخرى ورقية في كافيتريا شركات مصافي البترول أو محطات إنتاج الكهرباء العاملة بالفحم والغاز، بل بإغلاقها.

على الرغم من ذلك، للسلوك الشخصي أهمية كبيرة، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن السلوك الفردي المؤثر يميل إلى الانتشار من شخص لآخر ومن الفرد إلى المجتمع، وفي النهاية يُرسي معايير تؤثر على الجمهور على نطاق واسع. 

إضافة إلى ذلك، فإن أخذ البيئة في الاعتبار في سياق حياتنا اليومية، يجعلنا نتمتع بصحة أفضل بكثير.

فيما يلي قائمة بالأفكار والتوصيات الخاصة بالسلوك الفردي الخاص لمكافحة أزمة المناخ:

المواصلات

لنتخلى عن السيارة الخاصة كلما أمكن ذلك.  ويفضل استخدام المواصلات العامة أو المشي وركوب الدراجات.
السيارة الهجينة أفضل من السيارة ذات محرك الاحتراق الداخلي - والسيارة الكهربائية أفضل من كليهما. 

ويحبذ استخدام المركبات الصغيرة على الكبيرة، كما يفضل السفر ببطء مع تحميل عدد أكبر من الأشخاص، بدلاً من السير بسرعة في مركبة فارغة.

لنحاول اختيار مكان إقامتنا بحيث يقلل قدر الإمكان عدد ومسافة الرحلات إلى العمل والمدرسة والتسوق والمهمات الأخرى؛ علمًا أن العيش في القرية ليس بالضرورة عملاً "أخضر".
لنعمل من المنزل كلما أمكن ذلك، وجدولة مواعيد لقاءاتنا عبر تقنية السكايب، وعقد اجتماعات العمل عبر الفيديو.
الطائرات مسؤولة عن انبعاث أكبر كمية من غازات الدفيئة مقارنة بأي مركبة أخرى، لذا من الأفضل تجنب الرحلات الجوية قدر الإمكان.

الاستهلاك

اختيار أسلوب حياة بسيط، والتقليل من النزعة الاستهلاكية. كل ما تشتريه -الملابس والألعاب والأدوات المنزلية- يُطلق غازات الدفيئة في مكان ما في العالم.
تقليل استهلاك البلاستيك بشكل عام والبلاستيك المستخدم لمرة واحدة بشكل خاص.  

تعد صناعة البلاستيك ذراعًا لشركات النفط، وتؤدي عمليات التحلل البطيء للمواد البلاستيكية إلى إطلاق غازات دفيئة إضافية.

يعد قطاع الشحن البحري من أكثر المساهمين في تلوث الغلاف الجوي. لذا، يجب تفضيل المنتجات المحلية على تلك المستوردة. 

كما أن شراء السلع المحلية والوطنية يعزز أيضاً اقتصاد المقاومة وإعادة تدوير رؤوس أموالنا داخل البلد.

الشراء من دكاكين السلع المستعملة ( يد ثانية) وتشجيعها، والتعامل مع محلات إعارة الأشياء.
فحص محفظتك الاستثمارية وتحويل الاستثمارات من الشركات الملوثة التي تنتج غازات الاحتباس الحراري، إلى تلك التي تعمل في مجال الطاقات المتجددة أو تلك التي تلتزم بالسياسة البيئية.

التغذية

التقليل من استهلاك اللحوم وبخاصة لحوم البقر، وبالتالي الذين لا يستطيعون التخلي عن البروتين الحيواني، يمكنهم تناول الدجاج أو الأسماك؛ إذ أن بصمتها الكربونية أقل بكثير من تلك الموجودة في لحوم البقر.
التقليل من استهلاك منتجات الحليب: تتطلب الأبقار الحلوب الكثير من العلف الذي يحتاج إلى مساحة كبيرة من الأراضي لزراعته، من المجدي أكثر تناول الطعام الذي يُقدم للبقر، بدلاً من تناول الطعام الذي تنتجه تلك الحيوانات.
منح الأولوية دائما للمنتجات المحلية والوطنية.
لنتجنب شراء كميات طعام أكثر من حاجتنا، ولنتجنب أيضاً قدر الإمكان، رمي الطعام في سلة المهملات.
لنحاول التعرف على السياسات البيئية للعلامات التجارية الغذائية التي نشتريها، وبالتالي، لنختار الشركات الملتزمة بالقضية البيئية. 

على سبيل المثال، لنمنح الأولوية للشركات التي تتعهد بتجنب استخدام المنتجات التي ينطوي تصنيعها على اجتثاث الغابات.

النفايات

كلمة السر في فلسفة الاستهلاك هي "التقليل" (أي الشراء بأقل قدر ممكن)، وإعادة الاستخدام (استخدام السلعة التي نشتريها لأطول فترة ممكنة، وإصلاح الأجهزة، وتوزيع الملابس والألعاب المستخدمة وإعادة استعمالها)، إضافة إلى إعادة التدوير (إعادة استخدام المادة المكونة للسلعة).
لنحاول تقليل إنتاج النفايات الشخصية: تقليل استخدام أكياس "النايلون" والأدوات البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة.
عند شراء سلعة ما، علينا أن نفكر بغلافها؛ إذ أن شراء مشروب خفيف يعني أيضًا شراء البلاستيك الذي يغلفه، وبالتالي، بعد انتهائنا من الشرب، سيبقى البلاستيك لقرون دون تحلل.
علينا أن نسعى إلى فصل القمامة؛ إذ يمكننا تحويل نفاياتنا العضوية إلى سباخ (سماد) في حديقتنا المنزلية، أو نقلها إلى منشأة تصنيع الأسمدة العضوية إن وجدت قرب منزلنا.

الطاقة والمياه

إذا كان سطح منزلك شاغراً، أو توجد قطعة أرض غير مستخدمة في محيط منزلك، يمكنك التواصل مع شركة مختصة لتركيب نظام شمسي لتوليد الكهرباء؛ إذ أن ذلك مجدي مالياً أكثر من الكهرباء العادية.  
ترشيد استهلاك الكهرباء، واستبدال المصابيح المتوهجة بمصابيح اقتصادية، فضلاً عن وقف تشغيل الأجهزة الكهربائية غير الضرورية. الغسالة نشغلَّها فقط عندما تكون ممتلئة؛ أما المكيفات وأدوات التدفئة لنستخدمها بطريقة موفرة للطاقة. 
ترشيد استهلاك المياه: تقصير فترة الاستحمام، التوفير في مياه غسل ​​الأطباق، والري بالتنقيط وتجنب زراعة النباتات التي تستهلك مياها كثيرة.
الاستثمار في عزل الجدران والنوافذ في المنزل، بهدف تقليل استخدام وسائل التبريد والتدفئة.
في حال رغبتك شراء منزل، اطلب من المهندس أن يصمم لك مبنى أخضر.

الأسرة

وجدت دراسة نُشرت عام 2017 في دورية Enviormental Research Letters أن أفضل إجراء شخصي يمكن القيام به من أجل كوكب الأرض هو تقليل إنجاب الأطفال.
لا بد من تأسيس ثقافة لدى أطفالنا تقوم على أسلوب حياة موفر للطاقة، وأن نطلعهم على أزمة المناخ.

النشاطات السياسية والعامة

مواجهة أزمة المناخ لن تتكلَّل بالنجاح دون تحرك مكثف من قبل الدول والشركات والمنظمات الدولية. لذا، يجب على أي شخص يريد تغيير مسار الكارثة أن ينشط على المستوى المجتمعي العام.

مطالبة المسؤولين المنتخبين والعموميين بإعطائنا إجابات على الأسئلة المُحرجة والحساسة، والتصويت فقط للأحزاب والسياسيين الذين يعترفون بالأزمة المناخية ويتعهدون بالعمل على كبحها.

هذا صحيح بالنسبة للانتخابات المحلية أو البرلمانية- فرئيس البلدية الذي لا يخطط لكيفية تقليل الانبعاثات والتلوث وحماية مدينته من تغير المناخ لا يستحق هذه الوظيفة.

تبرع بوقتك أو أموالك للمنظمات التي تعمل بجدية على القضايا البيئية والمناخية.
ممارسة الضغط في مكان عملك للتحول نحو سياسة خضراء.
إذا كنت عضوًا في إدارة شركة أو مؤسسة أو لجنة موظفين، فعليك العمل لسحب الاستثمارات من الشركات والمؤسسات الملوِّثة.
اخرج وشارك في التظاهرات البيئية-السياسية.

اكتساب المعرفة ونشرها

تحاول القوى العالمية القوية طمس الحقائق والاستنتاجات العلمية المتعلقة بأزمة المناخ.  

وهي تفعل ذلك لحماية مصالحها الاقتصادية، أو من منطلق كونها "محافظة" غير قادرة على مواجهة الحقيقة.  لذا، فإن معرفة الحقيقة ونشرها خطوة مهمة في النضال.

العلماء الذين ينكرون تغير المناخ هم أقلية هامشية، مثل العلماء الذين ينكرون نظرية النشوء والتطور أو أن الأرض مسطحة. فإذا صادفت مقالاً أو نصًا ينفي تغير المناخ- تجاهله ولا تشاركه مع أحد، ولا تجادل صاحبه.

أيضًا لنبحث عن المعلومات من مصادر موثوقة، المعلومات الأكثر مصداقية حول أزمة المناخ والتي تقبلها المنظمات العلمية وجميع البلدان في العالم، هي تلك المتمثلة بتقارير IPCC (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ). 

إنها هيئة مخضرمة، كبيرة ومحافظة، تضم مئات العلماء الذين ينفذون مسحًا لدراسات وأبحاث آلاف العلماء الآخرين.

 

 

في القرنين الماضيين حدثت تغيرات مناخية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، وهذه التغيرات مرتبطة سببيًا بالنشاط البشري؛ إذ كل عمل تقريبًا يمارسه الإنسان- وبخاصةً مواطنو العالم الأول الصناعي والغني - يترك خلفه بصمة كربونية يجب تقليلها قدر الإمكان بهدف مكافحة الأزمة المناخية.

يجادل البعض بأن الحديث عن الحد من البصمة الكربونية الفردية (على المستوى الشخصي) ينقل المسؤولية من الحكومات والشركات - التي خلقت الأزمة والمسؤولة عن استمرارها - إلى المواطنين.  

وبذلك، يخدم هذا الخطاب من هم في السلطة والذين يتصرفون كأن "العمل كالمعتاد" (business as usual)، وبالتالي لا يغير الواقع بشكل جذري.  

على الرغم من ذلك، للسلوك الشخصي أهمية كبيرة، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن السلوك الفردي المؤثر يميل إلى الانتشار من شخص لآخر ومن الفرد إلى المجتمع، وفي النهاية يرسي معايير تؤثر على الجمهور على نطاق واسع.  

خاص بآفاق البيئة والتنمية 

 

 

2021-11-09