كلما رأيت عبر الفضائيات أهالي حي الشيخ جراح في مدينة القدس وهم يدافعون عن بيوتهم أشعر أن العدل في العالم ينام في سريره مستخفاً مستهتراً ، ينهض صباحاً ليرتدي ثياب العنجهية كرجل الكابوي ويركب حصانه ليدخل السباق مع التاريخ المتخاذل .
وحدهم أهالي الحي الذي أسمه وعنوانه " جراح " يجرح أيامهم وينزف على الأرصفة والشوارع والطرقات ينزف خوفاً وقلقاً ومرارة وصعوبة، وحدهم يعيشون في مواجهة عقلية استعمارية ، احتلالية ، غامضة ، يتسلقون نشرات الأخبار والمواقع لعل العالم يلملم مجانين السياسة ويدخلهم قاعات الاجتماعات لكي يسمعوا حكاية " أهل الشيخ جراح " .
كل لحظة يتشاطر أحد المستوطنين أو أحد أعضاء الكنيست الذين يعيشون على اقتناص الكراهية نحو الفلسطينيين ، أو أحد المجهولين الذين يريدون دخول سوق المزاد الإعلامي ويقتحم " حي الشيخ جراح" حتى تحول الحي إلى مواسم العنترة الصهيونية ، والجيش يقف ناطراً ، حامياً ، يصبغ أحذية القادمين بالوان الزهو والانتصار.
تاريخيا كان حي الشيخ جراح سابقاً قرية مقدسية فلسطينية تتبع محافظة القدس ، ولكن بعد احتلال المدينة عام 1967 أصبح من أحياء القدس الشرقية ، وأسمه أخذ من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي طبيب القائد صلاح الدين الأيوبي، وقد عاش في الحي ودفن فيه قبل 900 سنة ، وكان الأديب الفلسطيني " اسعاف النشاشيبي " قد عاش في الحي وقصره ما زال موجوداً ، وأيضاً في الحي يوجد قصر المفتي – الحاج أمين الحسيني - وقد تحول إلى فندق " شبرد" وهناك قنصليات الإيطالية والتركية والبريطانية .
وقد ذكر " مجير الدين الحنبلي ، عبد الرحمن بن محمد المقدسي العُمري ( 860-928 ) في كتابه " الأنس الجليل في تاريخ القدس والجليل " أنه رأى زاوية في القدس ، باسم الجراحية وتقع بظاهر القدس من جهة الشمال ولها وقف ووظائف مرتبة ونسبتها لواقفها الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي ، وإن المذكور أحد أمراء الملك صلاح الدين الأيوبي محدداً ، وأن هناك عدداً من المدفونين في جهتها القبلية من جماعة الجراحي .
وقد نجحت الحكومة وأذرعتها الاستيطانية في عمليات التهجير ، ونذكر عام 2008 كيف هجرت عائلة الكرد ، وقضية المرأة المسنة أم كامل الكرد التي طردت من بيتها ، ونذكر عائلة " غاوي " وعائلة " حنون " عدا عن هدم المنازل بحجة البناء غير المرخص أو ضد التنظيم وذلك من جانب بلدية القدس التي تسعى لتوسيع خارطتها ، ومد أسنانها لقضم أكبر مساحة من الأرض المقدسية.
ومن كثرة تقليعات المستوطنين لم تعد الذاكرة تتذكر أشكالهم وافعالهم ، لكن عضو الكنيست المتطرف " إيتمار بن غفير " قرر أن تختلف تقليعته ، فقام بنقل مكتبه إلى حي الشيخ جراح ، وأصبحت الفضائيات توزع أخباره وهو برفقة رجاله ، والاعلام الإسرائيلي يحصي أنفاسه ويصنع من " الكيباة" وتقاسيم وجهه رقعة شطرنج الانتصار والتباهي ، ففي عالم الصمت يحق له التمتع بحصانته ورضى الشعب الإسرائيلي .
في المعركة أهالي " حي الشيخ جراح " يقفون لوحدهم – مثل باقي الفلسطينيين - تركتهم السلطة الفلسطينية يقارعون الاحتلال وقذفت لهم شعار الحكمة التي تقول ( أن المستحيل ثلاثة : الغول والعنقاء والسلطة الفلسطينية ) ونضيف سفارات الدول العربية المطبعة مع إسرائيل والتي تتابع التطبيع وتنام في أبجدية الأخوة المزيفة .
أعجبني خلال مواجهة الجنود الذين جاءوا لكي يمنعوا التجمهر النسوي الفلسطيني، تلك المرأة التي وقفت أمام الجنود وأمسكت بيديها فردتي الحذاء أمام بنادقهم، تتحداهم بالحذاء ، قد نتذكر العراقي منتظر الزيدي حين ضرب الرئيس الأمريكي بوش الأبن حين زار العراق ، إنها ليست وسيلة العاجز بل أصبح الحذاء رئيساً لجمهورين المقهورين .
شوقية عروق منصور