الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إنصاف العمال ضرورة حتمية لبناء الدولة...د. سلامه أبو زعيتر

 يضّل الطريق كل من يتنكر لحقوق العمال، ويتجاهل تضحياتهم ودورهم في عملية البناء والتحرير الوطني، فالعامل الفلسطيني يناضل بعمله وبانتمائه الوطني وبإخلاصه وبتحمله للظروف الصعبة بصبره على التحديات والمتغيرات والمستجدات التي طالما كان هو الحلقة الأضعف فيها، فيدفع الفاتورة وهو متيقناً ومؤمناً بأن التغيير قادم، ولن تستمر هذه الأوضاع السيئة التي أنهكت العاملات والعمال، وجعلتهم عرضة للمشاكل والامراض الاجتماعية والاسرية، فمازال لديهم الثقة بالله وبعدالة مطالبهم، وأن أصواتهم ستصل للجميع، عاجلا أم أجلا.

إن العامل الفلسطيني مذهل بإنسانيته، وبمقدرته على التكيف وابتكار الوسائل والطرق المبدعة لتحدي الظروف وصناعة المستقبل، فبرغم ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر؛ الا أنه يصنع من المستحيل فرصة للحياة، فيبادر بما هو متاح ويكافح لإيجاد فرصة عمل ما بين الشح والاستغلال، يعتصر الألم ويتحمل الصعاب ليجد ما يعيل به أسرته، رافضاً الاستسلام للحصار والاذعان للظروف وكل الانتهاكات التي طالت حقه في العمل كانسان قادر عليه.

العامل الفلسطيني نموذج للكفاح والصبر والصمود، وعنوان للإبداع والتفكير خارج الصندوق،  فقد صنع المبادرات، وابتكر، ووائم المهن الجديدة التي تتناسب مع المستجدات والتطورات التقنية والرقمية والتكنولوجية، وسجل العديد من قصص النجاح التي وفر من خلالها دخل مصدر للرزق، فكان المبادر أمام صانع القرار باقتراح الحلول وضرب الأمثلة في تعزيز الصمود والتمكين، والتي يجب الوقوف عليها ودراستها بعمق والبناء عليها، لتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بالتشريعات والقوانين لتكون رافعة وضامنه لتطور المهن، وتحفيز الطلب في السوق، وتنمية وتطوير العرض، وحماية حقوق العاملين في سوق العمل المحلي، ولتقديم التسهيلات المناسبة للتوسع والتطور والانفتاح على السوق ضمن معايير تضمن لهم الاستمرار والدعم في تحقيق الأهداف المرجوة.

ما زالت السياسات والقوانين الفلسطينية لا ترتقي لحجم المستجدات والمتغيرات والأزمات التي طرأت، وخاصة ما بعد جائحة كورونا واستمرار الحصار والعدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني، والتي أظهرت هشاشة الاقتصاد الفلسطيني في ظل غياب الحماية الاجتماعية، والتي عرضت الاف العمال لمزيد من الاستغلال والمساومة بلقمة العيش ومزيد من الانتهاك لحقوقهم، وخاصة الفئات الهشة منهم النساء وذوي الإعاقة والشباب المستجدين على سوق العمل، الامر الذي يستدعي تقييم واقع سوق العمل وعلاقاته؛ والعمل على وضع خطة حقيقية وفعالة للتدخل لحماية العاملات والعمل، وهذه مسئولية مشتركة بين كل الأطراف والشركاء في سوق العمل، والجزء الأكبر يقع على الحكومة ودورها في تعزيز الحوار الاجتماعي وتطوير برامجها وسياساتها الوطنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وذلك ضمن خطوات عملية وفعالة ومؤثرة تساعد على استقرار علاقات العمل وتوازنها، وحماية مصالح وحقوق العمال الذين يشكلون قوة إنتاجية ومصدراً لدعم الاقتصاد الفلسطيني،  الامر الذي يستدعي خارطة طريق لحفظ التوازن ومنها التالي :

  •  ضرورة العمل على تعديل قانون العمل الفلسطيني، وموائمته مع المعايير الدولية بما ينسجم مع التطلعات العمالية وتحقيق العدالة والمساواة وعدم التمييز وحماية حقوق النساء والأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير سياسات في عالم العمل وتوفير الحماية الاجتماعية والعمل اللائق والكريم وتنظيم العمل ومدونة السلوك.
  • العمل على استكمال الحوار حول قانون الضمان الاجتماعي والشروع بشكل فعلي وعملي لتطبيق القانون لاستكمال منظومة الحماية والتأمينات الاجتماعية للقطاع الخاص لمواجهة المخاطر والازمات.
  • إنشاء محاكم عمالية مختصة للنظر في قضايا العمال والبت فيها لحماية حقوقهم بعدالة، والتي تعتبر أحد الأدوات والوسائل التي تمكن العمال من الحصول على حقوقهم بسرعة وبدون تأجيل، فلا مبرر لتأخر الحكومة بإيجاد هذه المحاكم حتى الان.
  • ضرورة العمل على تعزيز الحوار الاجتماعي بين الأطراف في سوق العمل للتشارك في تعزيز الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات والتعاون في تخطي الازمات ضمن المصالح الوطنية والشراكة؛ لا أن تكون إجراءات أحادية على حساب الفئات الأضعف باستغلال الظروف على حساب العمال.
  • ضرورة العمل على تنسيق الأدوار وتكاملها بين كل الجهات ذات العلاقة والتأثير في سوق العمل: كالجامعات ومراكز التعليم والتدريب المهني لتتناغم مخرجاتها مع احتياجات سوق العمل والتطورات المهنية، والموائمة بين متطلبات السوق ومخرجات التعليم والتدريب المهني، ومن ثم تحفيز الطلب وتعزيز وتمهير العرض.
  • العمل على تعزيز الوصولية لسوق العمل، وخاصة الفئات الضعيفة والهشة، ورعايتها لوصول لعمل اللائق وبيئة عمل آمنة ومناسبة تراعي معايير وشروط الصحة والسلامة المهنية.
  • البحث بعمق ضمن دراسات علمية ومنهجية متخصصة لواقع العمل والعمال لبناء سياسات وخطط ذات فعالية للبناء عليها في تطوير عالم العمل وحفظ التوازن بين الأطراف في سوق العمل وعلاقاته.
  • العمل على دعم المبادرات والأفكار الريادية للشباب من الخريجين والخريجات وتوفير بيئة حاضنة لتطويرها ورعايتها، وتشريعات لحماية الحق وتقديم التسهيلات والاعفاءات في مراحلها الاولي.
  • تعزيز الحريات النضالية والنقابية للعمال بهدف زيادة مشاركتهم في رسم السياسات كشريك أصيل وصاحب علاقة تمثيلية تعبر عن القواعد العمالية العريضة بما يمثلون من قطاعات اقتصادية وانتاجية.
  • تعزيز المؤسسات الوطنية التي تعنى بشؤون العمل والعمال، وخاصة التشاركية والمحوكمة من قبل أطراف الانتاج الثلاثة، والموائمة للمعايير الوطنية والدولية، كصندوق التشغيل، وهيئة العمل التعاوني، وأحياء مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهيئة التعليم والتدريب المهني والتقني اللجنة الوطنية للسلامة والصحة المهنية... وغيرها.
  • توحيد الجهود والتدخلات الاغاثية والاستشفائية والتنموية في سوق العمل، والاستغلال الأمثل لموارد المتاحة والتمويلات المقدمة من المؤسسات المانحة والصديقة.

أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية من القضايا الوطنية ذات الأولوية التي تعزز صمود الجبهة الداخلية وتحافظ على الاستقرار، ويعتبر العمال جوهرها بما يمثلون من قواعد عريضة وحضور في المجتمع، وتجاهلهم يعتبر خطيئة لا تغتفر ومسئولية لا يمكن إنكارها، لذا من باب التذكير ونحن نحيي الأول من أيار عيد العمال العالمي، نحمل المسئوليات للاحتلال الإسرائيلي أولا، فعشرات السنوات من الاحتلال والحصار وصعوبة الحركة، والحواجز انهكت الاقتصاد الفلسطيني، وجعلته أكثر هشاشة في التصدي للازمات، فأصبح سوق العمل متذبذباً ضعيفاً هشاً، فكان العامل الفلسطيني أول من يدفع ثمن هذا الضعف، فضلا عن الاستغلال ورحلة العذاب اليومية في التنقل بالذهاب والاياب للعمل داخل الخط الأخضر، كما  أن مسؤولية الاحتلال لا تعفي الإدارة الفلسطينية من القصور اتجاه عمالنا، سواءا أصحاب المصلحة من أصحاب العمل والحكومة الفلسطينية، فالأصل أن تسارع الحكومة والإدارة الفلسطينية بالقيام بواجباتها ضمن دورها ومهمتها الوظيفية والسياسية، والتي تحتاج منها لمجموعة قرارات جريئة قد تساهم في تخفيف معاناة العمال وتساهم في رفع الظلم، ووقف كل أشكال الاستغلال لحقوقهم.

 مهما تحدثنا عن الظروف والواقع وما يحمل من تحديات ترهق العمال وتعصف بهم، فما زال الامل قائماً، ويمكننا التعاون في مواجهتها وتعزيز صمودهم إن وجدت النية الحقيقية، وذلك بالاستفادة من قدراتهم والاستثمار الأمثل للعنصر البشري فهو أغلى ما نملك في مجتمعنا الفلسطيني؛ فرعايته وتعزيز مهاراته وحماية حقوقه تعتبر أولوية وطنية ومدخلا للتنمية البشرية والاجتماعية التي يتطلع لها المجتمع في معركة التحرر والبناء الوطني.

أخيرا لنتحمل جميعا المسئولية ولنتشارك ونتعاون لحماية الانسان العامل بهدف الارتقاء به وحماية حقوقه وتوفير العمل اللائق والكريم، التي يعزز قيمته كانسان له من الحقوق كما عليه من الواجبات.

عاشت نضالات الحركة النقابية، وكل عام وعمالنا وعمال العالم بألف خير بمناسبة الأول من ايار

 

  • عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
2022-04-30