الأحد 23/10/1444 هـ الموافق 14/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أيّها القادة اخلعوا الأقنعة...عائد زقوت

لست وحدي من تأثر سلبًا بالمشاهد المُهينة التي صاحبت مسيرة الأعلام الصهيونية واقتحامها الأحياء الإسلامية في القدس، ولكنّ مشهد السكون الشعبي الفلسطيني والعربي الذي صاحب تلك المشاهد كان الأكثر ايلامًا، فقد أحدث في الأنفس غصة، ولست هنا بوارد البحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى تلك المشاهد، فقد باتت واضحة، وأشبعها الباحثون والكُتاب بحثًا وتمحيصًا. لقد كشفت تلك المشاهد حالة الانبطاح العربي والفلسطيني وغيابه عن ساحة التأثير الدولية، فالعرب بما فيهم الفلسطينيين بلا مشروع، وذلك لأنّ قرأتهم للأحداث قراءًة منقوصة مبنيّة على العواطف، والمصالح القُطرية، أكثر منها مبنية على قراءة واقعية مبنيّة على المصالح المشتركة، وفي هذا السياق رهنت بعضًا من الفصائل الفلسطينية سياساتها وفقًا لتموضعها الاقليمي، وارتباطها الفكري والتنظيمي، ومن أجل التغطية على تعرية مواقفهم السياسية، وتمرير هذه السياسات، أخذوا الترويج بشكل كبير للمقولة الشهيرة " عدو عدوي صديقي " باعتبارها حكمة رشيدة وردت على لسان الخليفة علي بن أبي طالب في كتاب نهج البلاغة، وعلى الرغم من الطعن الواضح في نسبة الكتاب لأمير المؤمنين، لأسباب عديدة أبرزها أنّ تدوين الكتاب تم بعد وفاته بأربعة قرون، وفي حقيقة الأمرأنّ هذه المقولة لا تمت للحكمة بأي وجه من الوجوه،لأنّ مفهوم الحكمة هو وضع الشئ في موضعه الصحيح، وباسقاط هذه المقولة على موقف الفصائل التي اتخذت من تلك المقولة مسوغًا لرهن نفسها بما يسمى محور المقاومة، وفي القلب منها حركة الإسلام السياسي الشيعية، التي تُعرف بالثورة الإيرانية، والتي حرصت على تقديم نفسها للمنطقة العربية من خلال خطاب ديماغوجي يسلط الضوء على القضية الفلسطينية، والتركيز على الهموم المشركة مع قضايا القومية العربية، وما يتعلق بقضية العدالة الاجتماعية، وتبني المناهضين للغرب بقيادة واشنطن، آملين أنْ تؤتي هذه السياسة أُكلها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة الخمينية. لم يمضِ الوقت طويلًا حتى كشفت الثورة عن نواياها الحقيقية، حيث وردت تصريحات على ألسن القيادات الإيرانية بدءًا من قائد الثورة الإيرانية أية الله خامنئي الذي أعرب عن رؤيته لإيران طريقًا لاستعادة الإمبراطورية الفارسية، وقد أكد هذه التصريحات الرئيس الإيراني الحسن بن صدر في قوله أنّ إيران لها مشروعها التوسعي، وأردف قائلًا أنّ الخميني كان يُصرح أنّه يريد إقامة هلالًا شيعيًا يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما تتم السيادة لهذا الهلال سيستخدم الخليج العربي وما يملكه من إمكانات هائلة في موارد الطاقة للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، ولم تقف التصريحات عند هؤلاء فقط بل أضاف النائب الأسبق للرئيس الإيراني محمد علي أبطحي قائلًا بالنص الحرفي" لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد بهذه الطريقة" وأضاف أيضًا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في تصريح له عام 2005 "أنّ إيران لا تمثل تهديدًا للنظام الصهيوني" . وفي حال تسليط الضوء على السياسات الإيرانية تجاه إسرائيل نجد أنّها اعتمدت على الضجيج والأصوات العاصفة القاصفة مع القليل من العمل، مما يؤكد على حقيقة الأهداف الإيرانية . وفي ضوء تلك المعطيات بذلت الحركة الصهيو أميركية جهدًا مستميتًا لأجل إنشاء تحالف سنّي إسرائيلي لمواجهة إيران وأطماعها في المنطقة، في محاولة منها لتخفيف الضغط عن دولة الاحتلال، وقد وصِفت هذه الخطوة على أنّها شراك ومصيدة وهي كذلك فعلًا، إلا أنّ التحالف مع إيران واعتبارها عصب المقاومة، ورمانة الميزان في العلاقة مع الاحتلال، لا يقل خطورة عن تلك المصيدة الصهيو أميركية. لا بد لنا من التفريق بين التعاون مع إيران على أساس المصالح المتبادلة، واعتبارها قائدة للأمة، وتسليمها زمام المبادرة، وتحديد زمان المواجهة ومكانها بما يخدم أجندتها ومصالحها، والتغاضي عن أهدافها الاستراتيجية، وعن جرائمها ودورها التخريبي في دولنا، والعبث في أمنها واستقرارها. لقد شهد العالم العديد من التحالفات على أساس المصالح المشتركة، ولكنّها لم ترتقِ لدرجة الانصهار والانحياز، وعلى سبيل المثال لا الحصر التحالف بين أميركا وروسيا ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية ، ولكنهما لم يتخليا عن وصف بعضهما بالعدو الاستيراتيجي. وبناءً على ذلك ونتيجة للتطورات التي حصلت في القدس ، وما يشهده العالم من محاولة إنتاج نظام عالمي جديد، فإنّه يتعين على الفصائل الفلسطينية وخاصة المتموضعة اقليميًا أنْ تقوم بمراجعة نقدية ذاتية بناءة، آخذة في الحسبان أنّ تموضعها هذا أفقدها حاملها الاجتماعي، وأعاد خروجها السياسي إلى جوقته، وأسدل عليها لباسها التنظيمي، وعمّق الانقسام، وحصر أشكال مقاومتها بالأعمال العسكرية فقط، ممّا أفقدها قدرتها على المناورة، واستمرار المواجهة مع الاحتلال، وقلص خياراتها وجعلها بين أمرين إمّا حربًا لا تملك الفصائل مقومات حسمها، أو سكون وهدوء يتيح للاحتلال تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة، وعليها إدراك أنّه لا يمنح أنْ يتحول عدو عدوها لصديق حميم . لا تقف المراجعة عند حد الفصائل فحسب بل يتعين على القيادة الفلسطينية الخروج من غياهب السبات والانتظار، والمبادرة بحراك سياسي فاعل على صعيد العلاقة مع الاحتلال، واخراج المقررات المطروحة من المجلسين الوطني والمركزي من تحت الطاولة إلى أعلاها، ووضعها موضع التنفيذ، والعمل الجاد من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وعليها إدراك كما أنّه لا يمكن أنْ يكون عدو عدوي صديقي فإنّه لا يمكن أنْ يصبح صديق عدوي صديقي، وأنّ طول الغياب يجعلكم نسيًا منسيًا. اضاءة : الشعوب سؤالها الدائم ماذا فعلت لحياة الإنسان ؟ وكيف أنجزت ذلك؟

2022-06-04