الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
باريس الشّرق ...عائد زقوت

 

 لبنان قلب الشام ورحيقها، ذاك البلد العربي الذي كان يحتل مكانًة بارزًة   بين الدول الخدماتية الكبرى مثل النمسا وسويسرا، والذي وصُف بباريس الشرق نسبة لازدهاره ورخائه، ولكنّ شمسه أغربت، وسجى ليله، وسادته الطائفية، وغزته الأطماع القومية التي أفقدته مقومات الدولة، فأضحى فِرقًا وتكتلات دون قانون ناظم للحياة السياسية والاقتصادية، تسوده شريعة الغاب الغلبة فيه للأقوى، ذاك الأقوى الذي استطاع بقوته، وشعارها الأجوف، أنْ ينزغ بين اللبنانيين، وأنْ يسلخ لبنان من لبنانيته العربية، وأنْ ينزع اللبنانيين من أنفسهم .  

 هذه الحالة التي أضحى عليها لبنان جعلته محط أنظار الجميع، يرقبون عن كثب التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية من تطورات بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي أُجريت نهاية الشهر الماضي والتي أسفرت عن خسارة الأكثرية النيابية التي يقودها حزب الله التابع لإيران، كما ورد على لسان رئيس الحزب السيد حسن نصرالله حين قال أنّه يتبع لولاية الفقيه في طهران وأنّ تمويله وتسليحه من الميزانية الإيرانية، تلك النتائج التي جاءت بعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدها لبنان لم تُسفرعن تغيير يأذن بخروج لبنان من أزماته وتعقيدات مشهده السياسي الداخلي، بل عمّقت أزمته حيث أنّ خسارة الأكثرية، لم تُمكن الطرف الآخر من تشكيل حكومة مستقرة قادرة على التحرك، وذلك لأنّ الخاسرين محترفوا صناعة الفراغ، شعارهم إنْ لم نكن على سدة الحكم، فلا حكم لأحد ولا وطن ولا دولة.   
 إنّ مرحلة الفراغ السياسي التي عاشها لبنان والمرشحة  للاستمرار، كان من نتائجها الرئسية إفلاس هذا البلد الذي كان قِبلة المستثمرين، وأضحى يستجدي الدول الصديقة لإمداده بالكهرباء وموارد الطاقة، وأيضًا استمرار سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مياهه الاقليمية وموارده الطبيعية، تحت ستار المصالح الشخصية والحزبية للأغلبية  المُهيمنة بقوة السلاح، فعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها لبنان وخاصة على صعيد الطاقة صادق الرئيس اللبناني وبمباركة من حزب الله الذي يملك الثلث المُعطل في الحكومة على مرسوم يحمل الرقم 6433  الذي حدد الخط 23 الواقع شمال الناقورة خطًا أوليًا للحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية للبلاد، مُفَرطًا بذلك من الاستفادة الكاملة من حقل قانا ونصف حقل كاريش الذي  يتضمنه الخط29  والذي ينطلق من رأس الناقورة، وهو الخط المُعترف به دوليًا للحدود المائية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وفي هذا الصدد أيضًا أكدت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني العام 2019 على ضرورة تعديل المرسوم الرئاسي، والعودة لخط29  كأساس لمفاوضات ترسيم الحدود مع دولة الاحتلال٬ إلا أنّ المستوى السياسي المُتنفذ والمُصرعلى تغليب مصالحه لا زال يُقايض بحقوق اللبنانيين مقابل بقائه في السلطة .
واستغلالًا لهذه الظروف الصعبة والمعقدة بادرت دولة الاحتلال إلى استقدام سفينة انرجان اليونانية لوحدة إنتاج الغاز الطبيعي على حقل كاريش ضمن الخط 29 الذي تم اكتشافه عام 2013 حيث تُقدر احتياطاته بنحو3،1 تريليون قدم مكعب من الغاز على مرأى ومسمع من حزب الله وحلفائه ولم يُحركا ساكنًا.
استمرارالمشهد السياسي في لبنان رهينة للمصالح الحزبية والشخصية والتحكم بإرادة اللبنانيين تحت وطأة الحصار الداخلي وفرض مسار العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت تهديد السلاح بإسم المقاومة، والعمل على تزخيم المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وفق الخط23  الذي يُهدر الحقوق اللبنانية لصالح الاحتلال الاسرائيلي ما هو إلا إمعان في إفقار لبنان لاخراجه من المعادلة السياسية في المنطقة، وجزء من عملية  تقسيم لبنان بما يخدم المصالح الاسرائيلية والرؤية الأميركية في إطار الشرق الأوسط الجديد.

ومضة : العوامل المتغيرة التي طرأت على المشهد اللبناني العربي الأصيل هي ذاتها التي أثرت على المشهد الفلسطيني باختلاف بعض الأدوات والوسائل، التي سعى من خلالها الاحتلال  لفرض هيمنته على القدس، والعمل في إطار رؤيته تجاه الفلسطينيين الاقتصاد مقابل الهدوء، وما قرار بينيت الأخير برفع أعداد العمال من  غزة عن تلك الرؤية ببعيد  .

2022-06-09