ماذا لو أنني بعد ان شاهدت من لوحات في مئات المعارض و مئات من الصور للوحات عالمية وشاركت في مؤتمرات وأدوات وتحاورت مع الكثير من الفنانين وكتبت مقالات حول الفن التشكيلي . ماذا لو..تَوقفتُ فجأة عن الرسم بعد أكثر من خمسين عاما من الاحتراف و وقعت تحت شعور بأن المزيد من رسم اللوحات بالشكل التقليدي (القماش والألوان والفرشاة بكل الأفكار والتخيلات ) لن يضيف جديدا إلى الحركة التشكيلية؟! شعور لاشك مخيف ما خطر لي من قبل،لكن ما استجد من ادوات الحياة المتسارعة لم يترك لي فسحة أنفـُـدُ منها ذلك أنه شعور محبط ومخيف أن يقع في وجداني أنه لم يعد هناك ما أضيف على قدمت وقدمه الأخرون. إذا لابد من البحث عن مَخرَج من هذا المأزق الذي هو شعور يحرص كل فنان أو مبدع على أن يُصيب منه جديدا يضاف إلى رصيده ويغذي الثقافة بكل فروعها (فنون وآداب وغيرها). والمَخرج يكون باستحداث طريقة جديدة تكون قابلة للتنفيذ على أن يكون المتلقي طرفا فيها. ولكن من أين تكون البداية؟! هذا أمر ليس سهلا بعد اجماع المبدعين على أن باب استحداث مدارس جديدة قد أُغلـِق منذ زمن و دخلوا إلى عالم ما بعد الحداثة الذي تدور حوله كل الوسائط الجديدة في عالم التشكيل خاصة و دخلت معه التقنيات والبرامج الالكترونية في نفس الوقت الذي صارت جزءا من التفكير العام عند كل الأمم وما هي إلا سنوات قليلة حتى تستقر هذه التقنيات لتسود كل السلوكيات العامة. حين يسيطر الخيال على كل ما يدور في رأس المبدع من أفكار تتصارع وتتشابك،فلا مجال لكبح هذا الخيال إذا جمح و أبحر بعيدا يغوص في عالم ميتافيزيقي بضوابط مختلفة. وليس من العدل كبح جماحه أيضا، لانه يطرحُ صورا وأفكارا قد يقبلها وقد يرفضها. أما الأولى وهي الغوص بعيدا في عوالم أخرى، فلاشك أنها تمنحنا فرصة تقليبها على كل الوجوه وقد تحملنا معها إلى صورة تتسع كلما تحاورنا فيها أو تجادلنا ومن المؤكد أننا سنصل إلى شكل ما يكون جديدا وقد يحتاج المزيد من الجهد لتتبلور صورته وتستقر على وجه يلتقي مع كل ما تقدم. ماذا لو جنح خيال المبدع بشكل عام حتى وصل ألى ان تكون اللوحة او القصيدة او القصة مكتملة في خياله و نقحها من كل جوانبها حتى استقامت في الوقت الذي يكون قد (زرع) في مكان ما من جسده أو في عقله شريحة الكترونية يمكنه ان يُخزن عليها أفكاره التي تحولت إلى لوحة او قصيدة او قصة في الوقت الذي يتوفر مثلها شريحة يزرعها المتلقي بمواصفات مختلفة أساسها استقبال الإشارة من الشريحة التي زرعها المبدع و تحمل كامل صورة إبداعه،وبهذا نحقق هدفين أولهما ابتكار أسلوب فني غير مسبوق يتوافق مع مواصفات عصر التقنية الذي سيكون مرحلة جديدة ربما تحمل إسم ما بعــد بعــد الحداثة، ومع الزمن تتوالى إلى ما لا نهاية مادامت الحياة ستتحول إلى عالم تقني وقد يحل مكان المبدع "ريبوت" يبدع بشكل يتوافق مع كل فترة زمنية..!! ويصير خيال المبدع متاح في أي وقت وفي أي مكان في التو واللحظة بمجرد استكمال مواصفات أعماله في خياله الذي حمل خبراته التقليدية بعد عملية تنقية و برمجة تقنية تسمح بتخزينها و تكون كل شريحة عند المتلقي فيها مجموع ما استقبلته هو معرض فني أو معرض كتاب أو مهرجان للشعر دون أن ينتقل من مكانه وبهذا يتحقق هدف مما يسعى العالم إليه وهو أن تكون معظم الفعل الإنساني عبر ما يسمى "أون لاينOn Line ". الخيال ..عالم متجدد لا يمكن السيطرته عليه ولا تحديد مساره ودائما في نشاط بنتائج غير متوقعه قد يأخذها المبدع على محمل الجد وقد يسخر منها ولكنه دائما ينتصر إلى ما يقدمه خياله. فيلتقط منه قبسا يهتدي به وصولا إلى ما تحتاجه الحياة المتسارعة التطور بعد أن تحقق الكثير مما كان بالأمس مجرد خيال لا يتصوره العقل البشري..!!