الأربعاء 2/6/1446 هـ الموافق 04/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فلسطين ساعتان وحزمة رشىً....عائد زقوت

احتلت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط مساحة واسعة من النقاش والتحليلات عن أهداف الزيارة، وما يمكن أن ينتج عنها، في ظل المتغيرات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا على السياسة الإقليمية والدولية على أكثر من صعيد، وعلى الرغم من تضارب التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض، والإعلام الأميركي حول المرجو تحقيقه من الزيارة، والموقف المسبق الذي اتخذته إدارة بايدن بالتخلي عن حفظ أمن دول الخليج العربي، والموقف الخاص من السعودية، وولي عهدها الذي قطع بايدن وعدًا بتجفيف العلاقة معه، وإخراجه من المعادلة السياسية في المنطقة، إلا أنّ إدارة بايدن ووفقًا لبراغماتيتها ومصالحها، تراجعت عن كل ذلك تحت وطأة أزمة الطاقة، آملة بتغيير السعودية والإمارات من موقفيهما من زيادة الانتاج بما يخالف خطة منظمة أوبيك بلس، واضطر الرئيس الأميركي للجلوس مع ولي العهد السعودي وجهًا لوجه على طاولة مباحثات واحدة، وجاء هذا التحول الأميركي في إطار إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بما يخدم استراتيجيتها وأهدافها، حيث لم تكتف الإدارة الأميركية بالاتفاقيات الابراهيمية التي سمحت بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وإنّما ترغب في دمج اسرائيل في المنطقة العربية، تمهيدًا لأن تلعب اسرائيل دور الراعية للمنطقة وأمنها بديلًا عن أميركا، خشية أنْ تملأ الصين وروسيا الفراغ الأميركي في المنطقة، فهل تتمكن أميركا من تمرير رؤيتها، أم من الممكن أنٌ يرسم القادة الجدد للخليج العربي، ملامح أعتاب مرحلة جديدة تؤسس للعلاقة الخليجية الأميركية وفق المصالح المتبادلة، وترسي لنفسها مقومات وقواعد القوى الفاعلة في السياسات الدولية في عالم متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الاملاءات الأميركية التي كانت الأساس السائد في تلك العلاقة .

أما على الصعيد الفلسطيني فقد جاء التعريج الأميركي إلى فلسطين على استحياء في زيارة لم تستغرق أكثر من ساعتين، نعى فيها بايدن حل الدولتين مستخدمًا الدبلوماسية الأميركية الخادعة ، حين قال أنّ حل الدولتين والذي لم تحدد أميركا معالمه، ولا حدود الدولة الفلسطينية العتيدة من وجهة نظرها، أنّه بعيد المنال في هذه المرحلة، ولم يقدم بايدن للفلسطينيين، سوى بعض من الرشى السياسية تمثلت في الدعم المالي للمستشفيات في القدس، ودراسة تشغيل مطار رامون لنقل الفلسطينيين، ووعدًا بفتح أفق سياسي من خلال تواصل رئيس الوزاراء لابيد مع الرئيس الفلسطيني، وعقد لقاءات ثنائية بين الطرفين برعاية مصرية قد يشارك فيها مستقبلًا كل من الأردن والإمارات، وغيرها من القضايا ذات البعد الإنساني، فجميع تلك الإجراءات لا تتعدى وصفها بالرشى، ومسكنات لتسهيل إدارة الأزمة، وتمريرًا للدمج الاسرائيلي في المنطقة في هدوء ودون إثارة للأزمات. ‏جميع هذه المحاولات الصهيو أميركية والمدعومة من بعض الأقطار العربية المستغلة لحالة الترهل التي أصابت القضية الفلسطينية وتراجعها عربيًا ودوليًا، كنتيجة طبيعية لأداء القيادة الفلسطينية والفصائل بمختلف توجهاتها وأيدولوجياتها، والتي تهدف تلك المحاولات إلى زرع اليأس في صفوف الشعب الفلسطيني، لن تصل إلى مبتغاها، فالشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات الجسام ولا زال وسيتمر في تقديمها لقادر على إفشال جميع تلك المحاولات، ولكن الشعب بحاجة إلى فصائل على مستوى تلك التضحيات، و قادرة على استثمارها . فالملامح الناتجة عن زيارة بايدن، والتوقيع على إعلان القدس الذي جدد الالتزام الأميركي بالحفاظ على الأمن المطلق لدولة الاحتلال، والاستجداء العربي لأميركا من أجل حل القضية الفلسطينية، وفق الاتفاق الابراهيمي، يضع القيادة الفلسطينية أمام استحقاق تاريخي لجهة مراجعة الموقف الفلسطيني من العملية السياسية، والنكوص الأميركي عن المبدأ الكسنجري الأرض مقابل السلام، والوثوق بالضمانات الأميركية، فهل يملك الرئيس زمام المبادرة ويطلق رصاصة في صدر تلك الأوهام ؟ ‏والسؤال موصول إلى حركة حماس هل لديها الاستعداد أن تطلق رصاصة على أوهامها بقدرتها الوصول لحل سياسي بقيادتها منفصلًا عن البعد الاستراتيجي الفلسطيني، وأيضًا هل يمكن أنْ تتخلى الفصائل الأخرى عن نفاقها السياسي، وتقود محاولة جادة لإنهاء الانقسام الفلسطيني كمدخل لصياغة مشروع وطني يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني . لسانيّة:- ‏سياسة انتظار الانتظار حتمًا تؤدي إلى الترهل والانشطار، ومن المعيب أنْ يتحدث التاريخ عبر صفحاته، ويروي حكاياته بأنّ الثورة الفلسطينية خرقت المألوف عن الثورات البشرية فأضحت بكيانين وحكومتين .

2022-07-16