الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
خطبة الوداع يلزمها اتّفاق الضرورة....عائد زقوت

بعد خطاب الرّئيس المُوارب في الأمم المتحدة والذي امتاز بمهارةٍ قويّة، وإبداع في عرض السّردية الفلسطينية، ولكن اكتنَفه الغموض فيما يتعلق بالقضايا المِفصليّة، ولم يقدّم خطّة ورؤية واضحة سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال أو الخطوات الواجب اتّخاذها على الصعيدين الدّاخلي والخارجي، فقد حاول الرئيس بعدم ذكر اتفاقية أوسلو، الإيحاء بأنّه غادرها واستعانَ بالعُروج إلى القراراتِ الأمميّة للتأكيد على ذلك، وذكر بالتّحديد القرارين 194,181 اللذين بموجبهما حصلت دولة الاحتلال على العضويّة في الأمم المتحدة في مقابل تعهّدها بتطبيق القرارين آنفيْن الذّكر، ثم عاد الرئيس ليطالب الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضويّة بناء على قرارها 19 /67 / 2012، فهل من الممكن للأمم المتحدة العاجزة عن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 أو محاسبة الاحتلال على جرائمه أنْ تُقدِم على سحب الاعتراف بإسرائيل، أوضمان عودة اللاجئين مثلًا، واستمرّ إبداع الرئيس بلغتِه السّاخرة بتعرية الموقف الدّولي، وحاول بأسئلته الاستنكارية استنهاض الجمعية العامة وتحميلها مسؤولية عدم مساندتها للحقّ الفلسطيني، لكنّه غفلَ عن وقوفهِ أمام شريعة الغاب التي لا تساند الحقّ التّاريخي لأيٍّ من الشعوب، لكنّها تتعامل بما هو ممكن وواقع على الأرض، ولا تحترم إلا القويّ، فاللغة الاستجدائية، وتحميل المسؤوليات التي سادت معظم الخطاب، لا تحمل حلًّا ولا تُشكّل خارطة بديلة دون تأسيس مسار جديد يخرج من حالة الانتظار، ويرفض تكرار التجارب بلا معطياتٍ جديدة. سيْطر على المُستمِعين الشّعور العام بأنّ الرّئيس يلقي خطاب الوداع، حيث اعتَلَتْه عبارات التحلّل غير الصّريحة من تَبعات أوسلو وكأنّه يقول لن تلقوني بعد عامي هذا، و على الرغم من بعض الإيجابيات التي جاءت في الخطاب، إلا أنّه لم يحيد عن المقاربة السياسية التي يتبنّاها الرئيس، وعَكَس الخطاب بغياب الحديث عن الشأن الداخلي الفلسطيني حالة التّرهل التي أصابت نظامه السّياسي، وكذلك عكَس عدم وضع خطوات فكّ الارتباط مع الاحتلال موضع التطبيق، غياب الإرادة للسّير في طريق الخلاص الوطني. حالة المخاض التي يمرّ بها العالم، والقضايا الّتي تهدّد الأمن العالمي كأزمة الغذاء والطاقة والأوبئة والحرب الروسية الغربيّة على أرض أوكرانيا، هيْمنت على اهتمام العالم وغيّرت أولوياته، وصاحَبها محاولات اسرائيل لاستكمال مخطّطاتها للسيطرة على القدس وإلغاء الوجود الفلسطيني فيها، وتقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة عن بعضها، ومع الأخذ بعين الاعتبار الرغبة التي أظهرها الرئيس بسحب الغطاء السياسي الذي منحته عمليّة السّلام لجرائم الاحتلال، واستباحة الدّم الفلسطيني، فهذا وذاك يقتضي اعتماد استيراتيجيّة جديدة ترتكز على إرادة الشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة، والوحدة الوطنية، وتجسيد حق المقاومة كما كفلتها الأعراف والقوانين الأممية. وبناءً على ما تقدم يجب العمل فورًا على الوصول إلى اتّفاق الضرورة، والبحث عن مخرج للقضايا الخلافية والتي يمكن حصرها وطرح مقترحات لحلّها ولأجل الوصول إلى النتائج المرجوّة لا بدّ من تحديد عناصر الخلاف ووضع حلول مشتركة لها، وأهم هذه العناصر هي:

أولًا : طبيعة الخلاف لا يخفى على أحد اختلاف المُنطلَقات الفكريّة والأيديولوجية لحركتيّ فتح وحماس، وإن اجتمَعتا على الهدف السّياسي، فقد لعِب هذا الاختلاف دورًا كبيرًا في اتّساع الهوّة بين الطّرفين حيث تعتبر حركة فتح ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة امتدادًا للنّظام السياسي العربي الذي حمل راية القوميّة، وعلى العكس من ذلك فتعتبر حركة حماس امتدادًا للإسلام السياسي بمذهبيْه السّني والشّيعي والدّول التي ترعى هذا النهج مثل إيران وتركيا الذي رفع راية الهوية الإسلامية، مما ألقى بظلاله على وحدانية التمثيل السياسي الفلسطيني حيث أنهما يسيران في طريقين متوازيين مما جعل الشكوك تحوم حول نجاح كافة المبادرات لرأب الصّدع بينهما وبقيِتا أسيرتا الأنوية الأيديولوجية والسياسية.

ثانيًا : البرنامج السياسي لِوضع حد للتّمايز بين برنامج الحركتين وتفعيل نقاط الاتفاق بينهما، وحيث أن حماس لا تمانع إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 دون الاعتراف بإسرائيل، نتصوّر أن يكون البرنامج على النحو الآتي :

1_ تفعيل خطوات فكّ الارتباط مع الاحتلال كمقدّمة لصياغة برنامج سياسي يعتمد على رفع مكانة دولة فلسطين في الأمم المتحدة من عضو مراقب إلى العضوية الكاملة.

2 - عدم الاعتراف بإسرائيل إلا في حال اعترافها بدولة فلسطين، وبمركزها القانوني وفق قرارات الشرعيّة الدوليّة ، والانتهاء من كافة القضايا التفاوضية المتعلّقة بسلامة الجوار، والحقوق الاقتصادية وغيرها.

3 - عدم القبول بأيّ مفاوضات مع الاحتلال إلا تحت إطار أممي أو اقليمي لا تحظى فيه واشنطن برعاية المفاوضات.

4- التمسك بحق المقاومة وفق القوانين الدولية ، وتقديم أو تأخير أيّ شكل من أشكالها يخضع لآليّة اتخاذ القرار في اللّجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

5- يحتفظ كلّ فصيل برؤيته الخاصّة تجاه أيّ قضيّة من القضايا في إطار العمل المؤسسي لمنظمة التحرير وبرنامجها السياسي.

‏6- إذا نجحت القيادة الفلسطينية الجديدة بالحصول على الاعتراف الأممي الكامل بالدولة الفلسطينية يتم الدعوة إلى انتخابات عامة لبرلمان دولة فلسطين.

ثالثًا : منظمة التحرير تمثّل المنظمة البيت الجامع والكيان المعنوي للشعب الفلسطيني وبناءً عليه لا بدّ من الحفاظ على مركزها السياسي والقانوني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني لحين إقامة دولته المستقلة وعوْدة اللاجئين، ولا يحقّ لأيّ طرف فلسطيني التغوّل عليها بالسعي إلى إنشاء جسم بديل عنها أو موازٍ لها، أو بتحيِيدها بأيّ صورةٍ كانت أو بتقليص صلاحيّاتها لجهة السّلطة الوطنيّة، وفي هذا الشأن يُسار إلى إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني وفق الاعتبارات الآتية ** يعد المجلس الجديد مجلسًا انتقاليًا لمدة عامين يُسار بعده إلى إجراء الانتخابات في كلّ أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، حيثُ تسمح الظروف السياسية بذلك، وبالتوافق إذا تعذرت الانتخابات لأسباب تتعلّق بالموقف السياسي للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين.

** يتم الاتّفاق على تحديد العدد الكُلي لأعضاء المجلس حسب التوزيع الديموغرافي للسكان.

** تؤخذ القرارات الاعتيادية التي تتعلّق بتشكيل الهيئات واللّجان، أو ما يتعلّق بالإجراءات اللازمة في إطار الشأن الداخلي بالأغلبيّة المطلقة، أمّا فيما يتعلق بموضوع البرنامج السياسي أو توقيع الاتفاقيات أو بتقرير مصير الشعب، فإنها تُؤخذ بأغلبية الثُّلثيْن. ** يضمن المجلس الوطني تمثيل المرأة والأخوة المسيحيين والسامريين، عبر آلية يقترحها المجلس في حينه. رابعًا : تشكيل الحكومة يصدر من المجلس الوطني الجديد واللجنة التنفيذية المنبثقة عنه قرارًا يقضي بتشكيل حكومة تُدير شؤون البلاد تحت مظلّة المجلس الوطني الفلسطيني، بحيثُ تتكوّن من خليط فصائلي وكفاءات مُستقلّة تتماشى مع تشكيل المجلس الوطني، بحيث تلتزم بالبرنامج السياسي حسب ما هو مشار في فقرة البرنامج السياسي وتكون مهامها الآتي : ** تتولّى الحكومة إدارة شؤون الشّعب في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، وتُولي اهتمامًا خاصًا بشؤون القدس وأهلها. ** تقوم الحكومة بمراجعة القرارات الصادرة بقانون، و القوانين التي أقرها المجلس التشريعي في غزة أثناء فترة الانقسام وإعادة ما يحتاج منها إلى تعديل للّجنة التنفيذية للمنظمة بصفتها المُنشئة للحكومة.

** تتولّى الحكومة مسؤوليّة توحيد الوزارات وفق الهيكليّات المعتمدة.

** تتولى الحكومة مسؤولية دمج الموظفين المدنيّين والعسكريّين الذين تم تعيينهم في غزة إبان الانقسام وفق اللوائح والقوانين، وفي هذا الصّدد يمكن الاستعانة بفريق فنّي عربي وأوروبي لضمان الشفافية وقطع الطريق على واضعي العُصي في الدّواليب. ** تتولّى الحكومة مسؤوليّة ملف إعادة إعمار غزة بالتّنسيق مع المانحين والدّول الصّديقة. خامسًا : سلاح المقاومة من حقّ الشعب الفلسطيني ممارسة المقاومة وامتلاك أدواتها بكافة أشكالها، ومن حقه أيضًا اختيار شكل المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وفق مصالحه السياسية التي تتعلّق بحقوق الشعب، وفي ذات الوقت لا يمكن أن تكون حكومة قويّة قادرة على تحمل المسؤولية عن الشعب، وبسط سيطرة القانون في ظلّ تعدّد السلاح وفوضى استخدامه، وفي ذات السياق لا يمكن القبول بنزع السلاح ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطين المستقلّة كاملة السيادة من قبل مجلس الأمن الدّولي ودولة الاحتلال، واستنادًا على مسار الحركة الوطنية الفلسطينية يمكن مناقشة فكرة تحييد السلاح من خلال الالتزام بالبرنامج السياسي للمنظمة، ويمكن إشراك جهات خارجية مقبولة من الطّرفين مثل مصر وتركيا في إطار الرّقابة على السلاح، لِكيْ لا يخضع استخدامه حسب الرّؤى والأهداف السياسيّة الخاصّة. الحوار لازم، ولكن الوصول إلى اتفاق ملزم أكثر واحترام نتائج الحوار، ومقررات الأطر والمؤسسات أجَلّ وأعظم، التقاط الإشارة من خطاب الرئيس، واستثمار التحول الجوهري في النظام العالمي أمر حتمي لا مفر منه، توجبه الضرورة، وعلى الفصائل الخروج من أنَويَّتها الحزبية وتدارك مصلحة الشعب، حيث أن استمرار الصراخ والاختلاف، وترك العنان على غاربه للآلة الاعلامية للفصائل لتقضي على ما تبقى من انتماء، سيوسع دائرة الصراع والاشتباك الداخلي، وسيبدد الجهود في الصراع على السلطة ولن يجني أحدنا شيئًا.

2022-09-29