الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ورقة نقدية استقرائية في رواية قواعد العشق الأربعون ....الناقدة سامية البحري


ورقة نقدية استقرائية في رواية قواعد العشق الأربعون 
التصوف رحلة بحث ونهاية مأساوية وأسئلة حارقة 
يقول شمس التبريزي :
(عندما كنت طفلا رأيت الله رأيت الملائكة رأيت أسرار العالمين العلوي والسفلي ظننت أن جميع الرجال رأوا ما رأيته لكني سرعان ما أدركت انهم لم يروا ..")
هنا تكمن قيمة هذا العمل الضخم 
حيث تسكن الرؤيا 
إذ الصوفي يرى بباطنه ويسمع بباطنه ويقتات منه وبه 
فإذا جاءته الرؤيا لبى النداء دون تردد 
هكذا فعل الرومي حين توحد بمريده حتى أصبح بلا مكان ولا زمان خارج الحدود وخارج المحدود 
فقال عنه شمس 
"الرومي على حق فهو ليس من الشرق ولا من الغرب إنه ينتمي إلى مملكة الحب انه ينتمي إلى المحبوب " 
التبريزي استطاع أن يغير شخصية صوفية فذة كجلال الدين الرومي ليصبح شاعرا متفردا محلقا 
تحول إلى داعية عشق لا نظير له ودعا إلى وحدة الأديان وتفضيل العشق الإلهي عن غيره من متع الحياة ..
وهنا تتجلى الرسالة السامية الهادفة إمكانية التغيير كامنة في ذواتنا لو وصلنا إلى تلك المنطقة المؤدية إلى السماء والارتفاع والتسامي والتسامح ..
وهو ما وقعت فيه الناقدة اليهودية ايلا التي وقعت على رواية الكفر الحلو 
للكاتب  المسيحي الذي أسلم زاهارا  
واتحدت بعوالمها ..
وهذا المزج بين الديانات السماوية الثلاثة مقصود وله جملة من الأبعاد 
وهو ما يتفاعل مع دعوة الصوفية إلى إلغاء كل الأديان والاتحاد في دين الله. .
فخرجت كليا عن حياتها الأولى 
إلى حياة أكثر قداسة وأكثر سموا 
وما وقعت فيه هذه الناقدة لا يمكن تفسيره بأدوات بسيطة أو ملموسة
بل يجب الانخراط في تلك العوالم السرمدية كليا 
فلا علاقة بما وقعت فيه بالحرام والحلال والخيانة كما قد يذهب البعض 
لأن هذه القوانين تسقط مباشرة بفعل الانخراط في العوالم السرمدية 
حيث لا كفر ولا ايمان ولا نار ولا جهنم ..
بل الأمر ابعد من ذلك وأشد 
إنها سمعت النداء فلبت ..كما فعل الرومي مع مريده 
ولترتفع يجب الانسلاخ كليا عن كل ماهو مادي 
وما فعلته ليس بسبب التعلق المادي بكائن ملموس بصورة مرئية بل هو التوحد بعوالم الرواية الداخلية 
فكان الانصهار مع اللحظة الخارقة في الزمن الخارق في عوالم خارقة  
وحياتها الأولى هي رمز للمادة والمحسوس والمحدود لذلك كان عليها التخلص منها 
تماما كما يفعل الصوفي في تجربته الصوفية حين ينسلخ كليا عن العالم السفلي ليرتقي إلى العالم العلوي 
وكل ذلك يندرج في رحلة البحث عن الانتماء عن الحب عن الأصل ..عن الذات ..
وهذه الذات هي كيان معذب على امتداد فترة حياتها المادية 
أدركت أن التجربة الحسية الغريزية لم تحقق لها الامتلاء ولم تعطها السعادة الروحية المطلقة 
لذلك تاقت إلى الكفر الحلو الجميل 
وهو الذي سيصلها بالمحبوب المنشود. .
وهنا تنفتح الرواية على رحلة الإنسان في الحياة 
الإنسان الذي يخوض كل التجارب ويبقى في ظمإ. .
تجربة الحس تأخذه إلى تجربة الروح 
وتجربة الروح تأخذه إلى اللامحدود ..
لذلك كانت النهاية مأساوية مؤلمة تماما كرحلة الصوفي المأساوية المؤلمة 
فيكون الموت هو الوصل بذاك العالم الآخر حيث الأرواح أكر تلتقي هناك 
فكانت نهاية التبريزي مأساوية غامضة بفعل سرطان بعض النفوس الخبيثة الحاقدة.. 
وكانت نهاية الكاتب زاهارا كذلك 
إذ مات بداء خبيث وهو مرض السرطان ودفن بجوار الرومي تحقيقا للوصل المنشود 
وليس السرطان هنا سوى رمزا لكل الآفات والضغائن التي تنخر عقول هذه الأمة على امتداد التاريخ وفي كل الجغرافيا .. 
ويبقى الأسئلة حارقة بلا مزن يطفئ الحريق 
هل نجحت الصوفية كاتجاه فكري ثقافي أن تقدم البديل للإنسان الحائر في هذا الوجود؟ 
وهل استطاع هذا الصوفي المرتحل في عوالم عجائبية روحية أن يلتقي الذات الإلهية ويقترب منها ويتحد بها كما تجلى له لاسيما أن الذات الإلهية فوق الحد وفوق التوصيف وفوق الفوق ؟؟
وهل نحن في حاجة إلى تعذيب الجسد والتخلص منه باعتباره الوعاء الذي يحملنا لنكون أشد نقاء وأشد صدقا؟؟
وهل أن هذا الجسد هو الجحيم الذي يصلنا بالأرض رمز الرذيلة ويحرمنا من السماء رمز الفضيلة ؟
وهل القلب في عداء مع العقل كتب لهما المضي  في رحلة حياة بعضها تخيير وبعضها تسيير ؟؟؟
أيهما يملك الحقيقة :
القلب ام العقل ؟؟
ولماذا خلقنا الله بهذه الثنائيات العديدة إذا كان الحل يكمن في إحدى الطرفين ؟؟؟
مباحث  فلسفية عديدة تطرح بقوة العقل وسلطان القلب وليس لنا عليها من سلطان سوى بقوة الادراك وشساعة المعرفة وهو ما يفتحنا على ما دعا إليه الله في كتابه العظيم حتى نحقق تلك التعادلية بين جملة من الثنائيات ...!!
وتلك هي ملحمة الخلق والتكوين. .!!
الناقدة سامية البحري/تونس

 

2022-10-06