أفضى مسلسل مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين اسرائيل ولبنان إلى حقيقة التحاق لبنان بركب التطبيع والاعتراف المتبادل بين الدّولتين، حيثُ جرى التّوقيع على الاتفاقية بوصفهما دولتيْن ذات سيادة، وهذا ينفي كلّ المحاولات التي بذَلتها لبنان لدحض الصْبغة السياسيّة للاتّفاقية، وحرصها الدائم على وصفها بالاتفاق التقني، إلا أنّ الاتفاقية حملت في ثناياها بُعدًا أمنيًا يتعلّق بالحفاظ على الهدوء والسلامة الأمنيّة للحدود الشمالية، مما يعني ببساطة أنّ تلك الحدود لم تعُد مصدر قلق لإسرائيل بفضل الاتفاقية، وبعيدًا عن المزايا الاقتصادية، والجيوسياسية التي حصلت عليها اسرائيل من خلال حفاظها على النّقاط الحدودية البحريّة التي رسمتها لنفسها بعد خروجها من لبنان العام 2000 فيما يُعرف بخطّ الطفافات، أو الآمال اللّبنانية في دخول منتدى منتجي الغاز، وبغضّ النظر عن الجدل الذي صاحب الاتفاق حول العائدات الاقتصادية، والسياسية للبنان، أو التجاذبات السياسية الداخلية المتعلقة بالصراع على منصب رئيس الجمهورية، فإنّ الأهم من هذا أو ذاك هو ما أفصح عنه صراحةً نائب رئيس البرلمان اللبناني، ومسؤول ملف مفاوضات ترسيم الحدود الياس بوصعب حول المغزى الحقيقي لهذه الاتفاقية، حيث عبّر عنه بكل وضوح في كلمته التي ألقاها في حفل توقيع الاتفاقية، حين ربط بين هذه الاتفاقية التي أطلق عليها عاموس هوكستين تقديرًا من لبنان للوسيط الأميركي الصهيوني الّذي أدّى خدمته العسكرية في جيش الاحتلال، وبين الاتفاقية الابراهيمية، وقد ساوى بينهما من حيث الأهمية، وكأنه يقول أنّ لبنان وفي مقدمته أحد أركان محور المق اومة الذي شارك وبارك الاتفاق، أصبح مؤهلًا لركوب قطار اتفاقية ابراهام، عبر بوابة اتفاق هوكستين، الذي استقلّه حقيقةً لا اجتهادًا، وأنّه استبدل شعار انظروا إنها تحترق في إشارة إلى البوارج الاسرائيلية، إلى شعار انظروا إنها تستخرج الغاز بهدوء وأمنٍ وأمان. التحول في الموقف اللبناني والحزبالاوي يشير إلى امكانية أنْ يحذوا باقي مكونات محور المقا ومة ذات الطريق من خلال بوابة ابرهام هوكستين، في تقديري المتواضع أننا سنرى قريبًا تحولًا دراماتيكيًا في موقف محور المقاومة تجاه اسرائيل تحت غطاء الاستثمار في المُقدّرات الاقتصادية.