الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
معرض مميز للفنان"غازي انعـيم.".....عبد الهادي شلا

   الفنَّان التَّشكيلي والنَّاقد الأردنيَّ الفلسطينيَّ/غازي انعيم، يطرح رؤيةً جديدةً في أعماله الأخيرة الَّتي يعرضها في عمَّان تتفق مع ما يمكن أن نقول إنَّه استبصارٌ لما هو آتٍ.  

   مغامرات الفنَّانين وتجاربهم وشجاعتهم في خوض عمليَّة الاستكشاف لم تتوقف عبر التاريخ، فلا يمكن أن نغفل عن أنَّ إحدى أهمِّ الوثائق الَّتي حفظت ملامح الحضارات القديمة كانت في فنونها وقد أجمع علماء النَّفس والجمال على أنَّ الحضارات التي اندثرت كانت لا تملك إرثاً فنياً يحفظ سيرتها وخصائصها مثلما وجدنا في مورثات الحضارات الكبرى التي ما زالت شاهدة عليها فنونها.

   البَحث الذي يقدمه الفنَّان غازي قد يكون الأول في الحركة التَّشكيليَّة العربيَّة كما وصفه في تعامله مع التقنيَّات الحديثة وتطويع برامجها لتصنع عملاً فنياً لا يقلُّ أهميَّة عن تلك التي تمارس باليد وبالطُّرق التقليديَّة . وهي تذكرنا باكتشاف آلة التَّصوير عندما ظهرت كان الفنَّانون في حالة خوفٍ وترقُّبٍ من أن تكون البديل عن اللوحة المرسومة والملوَّنة لسهولة التعامل معها وسرعة نتائجها الباهرة والتي كما يعلم الجميع كيف تطوَّرت حتى صارت في متناول كل يد لكنَّها لم تَهزم اللَّوحة ولم تحد من قدرة وإبداع الفنَّان بل نستطيع القول بأنَّ الفنَّان قد أضاف إلى آلة التصوير قيم جديدة حتى استطاع أن يقيم معارض لصورٍ أتقن صنعها ومنحها فكراً وفلسفة  .

   وهذا ينطبق أيضاً على التلفزيون في بداية ظهوره وظن الكثير أنَّه سيؤثِّر على دور العروض السِّينمائيِّة ويهز عرش الفيلم وقد اتَّضح فيما بعد أنْ التلفزيون بدون سينما لا يمكن أنْ تكتمل مقوِّماته. .

   هذا ما بدأه الفنَّان غازي انعيم في بحثه الجديد والأوَّل، فقد مهد لمعرضه الأخير بلوحاتٍ ظهرت فيها بساطة التَّكوين وتكرار الرموز وانفلاتها مما يؤكد رهبة التجربة وغرابة الأدوات التي يتعامل بها وهو أمر طبيعي بعد مسيرةٍ طويلةٍ من العطاءِ وخبرة كبيرة في عالم النَّقد الفنِّي الَّذي منحه مرجعيَّةً واثقةً وبصَّرهُ ببعض أسرار العمليَّة الإبداعيَّة، وهو هنا يجدِّد الأدوات التي كنت دائماً ألفت النَّظر إليها بأنَّها هي أدوات العصر والزَّمن القادم.  

نحن نعيش في عالم التِّقنيَّات الَّذي لن يرحم من تخلَّف عنه وأنَّ الرافضين لهذا العالم المتجدِّد إنَّما هم عديمي الهمَّة وضعاف النَّفس ولا يملكون الجرأة على خوض عمليَّة التَّجريب الَّتي من المؤكد أنَّ بعضها سيكون فاشلاً ولكن بالبحث عن المخارج ستتجدَّد الحلول ويتأقلم معها كل من خافها وسيصبح صديقاً لها وتشكل حيِّز تفكيره بل لنا أن نؤكد بأنْ تعلمها والتعامل بها هو عالمه الإبداعيُّ المنتظر.

  فهم الفنَّان غازي لما يقدِّم سيكون درعه الواقي للصَّدمات الَّتي قد تظهر في طريقه وهو مازال في بدايته مع أوَّل معرض له بهذه التِّقنيَّة ومن خلال خبرتي ومتابعتي لما يتمُّ عرضه من أعمالٍ فنِّيَّةٍ على السَّاحة العربيَّة بوجه الخصوص أثق من أنَّ هذه التجربة هي نقطة انطلاقٍ قويةٍ لن يصدِّعها أي تشكيك وأنَّ كلَّ عملٍ قدمه الفنَّان هو عمل أصلي ما دام يحمل توقيعه ورقمه المتسلسل وهي طريقة معتمدة خاصَّة في الأعمال الجرافيكيَّة التي له فيها خبرة طويلة وهي مجال تخصُّصه الفنِّيِّ الرئيس.

    بعد أن استرسل في الإنتاج باستخدام الحاسوب ظهرت عند الفنَّان نتائج من الواضح أنَّه كان راضياً عنها بل عشقها أن صحَّ التَّعبير.. لذلك استمرَّ في بحثه وفي تجربته التِّقنيَّة موظفاً الرُّموز الفلسطينيَّة التراثيَّة وتلك التي تتَّفق مع رؤيته في وضعها داخل التصميم والَّذي لاحظنا تطوُّره وقوتَّه أيضاً في عمليةٍ تصاعديةٍ مع كلِّ عملٍ جاءَ مكملاً للآخر في بحثه.

  الحصان الَّذي استمدَّ منه اسم معرضه الأخير ( في انتظار فرس الغياب).. المرأَة.. الكفُّ.. الحمامة.. قبة الصَّخرة.. كنيسة القيامة...إلخ من الرُّموز التي تآلف معها الفنَّانون الفلسطينيُّون خاصةً لما لها من دلالاتٍ ومعانٍ وأهداف كل تعامل معها برؤيته وخصوصيتَّه.

   هذا البحث يتطلَّب من كل مراقب أن ينتظر حتَّى تتبلور كلُّ جوانبه وقد يظهر فنَّان آخر باستخداماتٍ مختلفةٍ لبرامج الحاسوب في صنع لوحاتٍ فنيَّةٍ بمميَّزاتٍ جديدةٍ ورموزٍ أخرى تكون دعماً ومؤيداً لبحث الفنَّان غازي الَّذي نثق أيضاً بأنَّه سيبقى على وفائه لبحثه وللمتلقِّي.

2 نوفمبر 2022

2022-11-04