الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الرهانات السعودية على تعويذة الولايات المتحدة في حرب اليمن العبثية ....نجاح محمد علي

قالت الولايات المتحدة إن الوقف الدائم لإطلاق النار، والتسوية السياسية الشاملة بقيادة يمنية، هما السبيل الوحيد للمضي قدماً لإنهاء الصراع في اليمن.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، إن المبعوث الخاص إلى اليمن، تيم ليندركنغ، بدأ  زيارة إلى الأردن والسعودية، من أجل دفع جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة ودعم الأطراف اليمنية إلى التوصل لاتفاق حول تمديد الهدنة وتوسيعها.
الخارجية الأمريكية دعت السيد عبد الملك الحوثي إلى التعاون مع الأمم المتحدة، و»الاستماع لمطالب اليمنيين بالعدالة والمساءلة والسلام».
ويقول أنصار الله إنهم لايثقون بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة أيضًا اللتين تحاولان مواصلة استراتيجية العدوان والحصار على اليمن ومنع تنفيذ أي خطة جادة للسلام .
وحتى مع هذه الدعوات التي تبدو  ظاهرياً أنها من أجل السلام ، تعمل الولايات المتحدة على استراتيجية تعقيد الوضع اليمني أكثر من ذي قبل ، وهي تعرقل الفعل أي إجراءات حقيقية لتحقيق السلام ، وتواصل مع حلفائها المؤامرات العدوانية ضد اليمن.
وفي هذا الواقع ، يشكل التواجد العسكري الأمريكي بالقرب من باب المندب وبالقرب من الساحل اليمني خطرًا حقيقياً على اليمن وبحارها ، وهذا التواجد دليل على السلوك العدائي الأمريكي ضد اليمن المستمر بدعم السعودية وحلفائها الذين شنوا  منذ نحو 8 سنوات عدواناً واسع النطاق على اليمن. قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا و الكيان الصهيوني، الدعم المباشر لتحالف العدوان . 

في حين أنه لا يمكن مقارنته بالخسائر الإنسانية التي يتحملها اليمنيون ، إلا أن الحرب كانت مكلفة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالتمويل المنفق والمواد المستخدمة والسمعة الدولية. يسعى التحالف إلى الخروج من الورطة ولكن لديه القليل من الخيارات الجيدة. الخيار الأفضل هو الاستسلام لمطالب اليمنيين الأخيرة - والثابتة  - وسحب دعمهم للمرتزقة وحكومة الفنادق ، للحفاظ على ماتبقى من كرامة في المفاوضات.
بعد نحو ثماني سنوات من غزو اليمن وقتل الآلاف من الناس وتدمير البنى التحتية ، لم تحقق السعودية يقف خلفها من خارج المنطقة أهدافها فحسب ، بل اضطرت لقبول وقف إطلاق النار بعد الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة للقوات المسلحة اليمنية في عمق أراضيها. .
تم تمديد الهدنة في اليمن ، التي انتهكها التحالف بقيادة السعودية بشكل متكرر ،  قبل مشاورات الأمم المتحدة. وانتهى تمديد وقف إطلاق النار هذا لمدة شهرين في أغسطس / آب الماضي ، وتم تمديده مرة أخرى وانتهى في أكتوبر / تشرين الأول دون التوصل إلى اتفاق جديد.

لقد كشف صمود الشعب اليمني وصواريخه الباليستية وطائراته المسيرة في العمق السعودي عن ظهور انقسام لافت بين الجماعات اليمنية المختلفة ، وفضح بوضوع عدم تماسك التحالف نفسه  . 
وبذلك بات الهم المسيطر على الولايات المتحدة الغارقة في وحل الأزمة الأوكرانية ، هو أن السعودية لن تحصل  على ما تريد في اليمن في المستقبل . فقد جعل أنصار الله  تجديد الهدنة الأخيرة بعيد المنال وأعاقت مطالبهم الواقعية محاولات الالتفاف الأمريكية على السلام. لكن جعل التحالف الذي تقوده السعودية يوافق على التمديد من واقع رؤية غير موحدة وموقف تفاوضي ضعيف من شأنه أن يعيد توازن الصراع بشكل فعال لصالح أنصار الله ويؤكد بذلك ميزة رئيسية وهي أن التحالف ضعيف ومنقسم. 

و لتوكيد هذه الرؤية ، يكفي النظر إلى قصر معاشيق و الدمار والبؤس في الطريق إليه ، وتسميته بـ"القصر الرئاسي” تضليل ؛ فلا هو قصر وليس فيه رئيس . هو مجرد مجمع متواضع يستخدم كمقر للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. لكن القرارات المهمة لا تُتخذ في هذا القصر، بل في العاصمة السعودية الرياض.
بمجرد وصول المرء إلى عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، يعرف فوراً ظلال تلك الوصاية السعودية بوصول رسالة نصية قصيرة إلى هاتفه من شركة الاتصالات السعودية تتمنى للواصلين “إقامة سعيدة” في البلاد !

لا يزال وضع منشآت إنتاج النفط والغاز الطبيعي اليمنية في مأرب نقطة شائكة. تؤكد هجمات أنصار الله المتكررة لتحرير هذه الموارد، قيمة هذه الثروات الوطنية والسلطة التي تمنحها للطرف المسيطر . في وقت مبكر من الحرب العبثية، ساعدت القوات الإماراتية والبحرينية حكومة عدن في إعاقة تحرير  مأرب . في السنوات اللاحقة ، استخدمت  السعودية طلعات جوية بدعم أمريكي سخي لصد هجمات الجيش واللجان الشعبية. 

من هنا فإن الدعوات الأمريكية النمطية للسلام باتت اليوم مكشوفة ومفضوحة أكثر من أي وقتٍ مضى. فقبل أسابيع، وعندما دعا السناتور بيرني ساندرز إلى التصويت تأييداً لقرار صلاحيات الحرب، الذي من شأنه أن يحظر الدعم الأمريكي للجهود الحربية التي تقودها السعودية في اليمن، تراجعت إدارة بايدن على الفور، وجاء في نقاط البحث الذي أعده البيت الأبيض، والتي عُممت سراً: «تعارض الإدارة بشدة قرار سلطات حرب اليمن على عدد من الأسس؛ لكن خلاصة القول أن هذا القرار غير ضروري، وسيُعقد إلى حد كبير الجهود الدبلوماسية المكثفة والمستمرة لإنهاء الصراع. كانت الدبلوماسية غائبة، وكانت الحرب محتدمة في 2019. لكن ليس هذا هو الحال الآن؛ فبفضل دبلوماسيتنا التي لا تزال مستمرة وناعمة، توقف العنف فعلاً خلال تسعة أشهر تقريباً».

ومع ذلك، فإن ادعاءات البيت الأبيض أن دبلوماسيته تنجح، تقوضها تحركاته السياسية والوقائع على الأرض، فلطالما وقف مبعوث بايدن إلى جانب تحالف العدوان ضد اليمنيين، وقال منتقدو سياسة واشنطن في الملف اليمني إنه بدون نهج منصف بحثاً عن حل سياسي وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، فإن مكائد إدارة بايدن لا يمكن اعتبارها جهوداً دبلوماسية صادقة.

المساعي (الدبلوماسية) التي استشهد بها البيت الأبيض إلى حد كبير في معارضة قرار ساندرز بشأن قرار سلطات الحرب (وهي جهود غير فعالة حتى الآن وتمنح الرياض مجالاً للمناورة) تتبع النمط الذي اتبعته الإدارة الأمريكية منذ وقت مبكر عندما تعهد بايدن بالسعي لإنهاء «العمليات الهجومية» في حرب اليمن، فيما انخرطت السعودية في حملة القصف الأكثر قساوة  في على المدنيين تحت عنوان «العمليات الدفاعية».

قال بروس ريدل ، محلل مخضرم في وكالة المخابرات المركزية وكبير زملاء معهد بروكينغز ، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى The Intercept ، "وافق السعوديون على الهدنة بعد أن أدركوا في وقت متأخر أنهم كانوا في مستنقع باهظ الثمن". وأضاف إن : "فريق بايدن ساهم في إيصالهم إلى هذه النقطة إلى جانب الكثير من المساعدة من الأمم المتحدة وسلطنة عمان".

ما تعتبره الولايات المتحدة غير واقعي هو في الواقع مطلب الديمقراطيين في الكونغرس. فما طالبت به صنعاء كشرط لتجديد الهدنة لم يكن مستحيلاً أو حتى غير واقعي. دعا ستة عشر من أعضاء مجلس الشيوخ - إلى جانب العديد من منظمات الإغاثة - بايدن في مايو 2021 إلى إنهاء الحصار السعودي. وبينما قررت إدارة بايدن إبقاء الحصار وسيلة ضغط في المفاوضات ، قال أعضاء مجلس الشيوخ إن الحظر "يجب أن ينتهي اليوم ، وأن يتم فصله عن المفاوضات الجارية".

بالنسبة للمنتقدين ، فإن موقف إدارة بايدن - معتبرةً أن مرتبات الموظفين العموميين اليمنيين باهظة الثمن للغاية لإقرار وقف جديد لإطلاق النار - ليست مقاربة جادة لإنهاء الحرب، لأن استمرار حرمان ملايين الموظفين من رواتبهم لسنوات عديدة ، وفشل مفاوضات وقف إطلاق النار بسبب مطلب إنساني وليس سياسياً أو عسكرياً، من شأنه أن يدخل الجميع في نفق التصعيد الخطير، و يبدو أن الأمر لا مفر منه. 
و العد العكسي بدأ... واليمن أمام مفترق طرق أما التسليم بالحقوق أو التصعيد المفتوح على كل الاحتمالات. 


    •    باحث متخصص في الشؤون الإيرانية و الإقليمية تابعني على تويتر
@najahmalii

•    نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى. خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية لمتابعته على تويتر @najahmalii

 

2023-01-11