السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بعيداً عن التهويل وإثارة الهلع "قراءة علمية" مختلفة للمشهد الزلزالي في فلسطين....جورج كرزم

بؤر الزلازل القوية التي حدثت في جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط الماضي (7.8 و7.5 درجات بمقياس ريختر) وراح ضحيتها عشرات الآلاف، بعيدة نسبيًا عن فلسطين، لكنها بمثابة تذكير واضح بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن يحدثها زلزال مماثل على الأرض الفلسطينية، علمًا أن العديد من الفلسطينيين في مناطق كثيرة شعروا بتلك الهزات.

فمساء اليوم التالي (7 شباط) ضربت فلسطين هزة أرضية شدتها نحو 4 درجات، مركزها نحو 13 كم شمال مدينة نابلس بعمق 10 كم في باطن الأرض، وتحديدًا على الصدع المسمى الفارعة - الكرمل. 

وبعد أقل من 24 ساعة، وتحديداً عصر اليوم التالي (8 شباط) ضرب المنطقة، في أقل من ساعتين، زلزالان ضعيفان إضافيان شدتهما نحو 3.5 و2.5 درجة على التوالي، مركزهما السطحي جنوب شرق نابلس. 

 وشعر المواطنون بتلك الهزات، بدرجات متفاوتة، في نابلس ورام الله- البيرة والقدس، إضافة لشمال فلسطين (حيفا والجليل). 

وللتذكير، ضربت فلسطين، في شهري يناير/ كانون ثاني؛ ومارس/ آذار 2022، سلسلة هزات أرضية متتالية، تفاوتت قوتها من 3.1 إلى 3.7 درجات بمقياس ريختر، وكانت بؤرتها قرب بيسان في الغور الشمالي، وشعر بها الناس في مناطق واسعة شمال فلسطين.

وخلال العقد ونصف العقد المنصرم ضربت منطقة شمال البحر الميت بضعة زلازل تراوحت قوتها بين 4 و4.7.  

وكما هو معروف تاريخيًا، وقعت في فلسطين في القرون الماضية زلازل بلغت قوتها ( 6-7 ) درجات على طول صدع البحر الميت. 

الزلزال المدمر الأخير ضرب فلسطين قبل 96 سنة (عام 1927) وبلغت شدته 6.2 وبؤرته شرق مدينة نابلس، فتسبَّب بدمار واسع في العديد من المناطق، وبخاصة نابلس والقدس وصفد؛ وقُتل المئات، إضافة لمئات الجرحى.

في العقدين الماضيين، طالما حذرنا في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" من الخطورة المميتة للحالة الفلسطينية، من حيث الضبابية والعشوائية المرتبطة بكيفية تصرف الجهات والأجهزة الحكومية المختلفة في المناطق التي قد تُنْكَب بزلزال قاتل. 

ويا للأسف، لم يُنجز أي شيء جدي لتحسين مقاومة المباني والمنازل والبنى التحتية لزلزال بقوة (7-8 درجات).  

في تركيا تحديدًا حدثت الزلازل ضمن ما يعرف بصدع شرق الأناضول، حيث سٌجّل الكثير من النشاط الزلزالي، بما في ذلك الزلازل القوية جدًا. 

 ويتفرع عن هذا الصدع، بضعة صدوع، بما في ذلك صدع البحر الميت في فلسطين. 

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن آلية الزلزال في تركيا تشبه تلك القائمة في صدع البحر الميت.

ووفقًا لبيانات ذات الهيئة، وأيضا المسح الجيولوجي المحلي، وقع الزلزال الأخير على عمق نحو 15 كيلومترًا بمحاذاة تقاطع ثلاث صفائح تكتونية- وهي صفائح عميقة في الأرض تولد حركتها والاحتكاكات فيما بينها هزات أرضية في الأناضول وإفريقيا وشبه الجزيرة العربية.  ومنذ حوالي ثلاث سنوات وقع زلزال في هذه المنطقة. بقوة 6.7 درجات.

صدع شرق الأناضول يتفرع أيضًا نحو البحر الأبيض المتوسط، ​فيشكّل الصدع المعروف باسم القوس القبرصي، وإجمالاً، بعد الزلزال الكبير تحدث زلازل أصغر، حيث حدث أحدها داخل سوريا. 

في الماضي غير البعيد، حدثت في تركيا زلازل ذات شدة مماثلة وبنمط مماثل من حيث الانتشار على طول خطوط الصدع.  

والمثال البارز على ذلك هو الزلزال الذي بلغت قوته 7.6 درجة ووقع عام 1999 في مدينة إزميت قرب إسطنبول وقتل 17 ألف شخص.  

كان ذلك الزلزال نتيجة سلسلة زلازل بدأت قبل بضعة عقود في شرق تركيا، وكانت شدة الزلزال الأولي 7.9.

ما سبب الهزات الخفيفة المتتالية؟

يقدّر خبراء الجيولوجيا والزلازل منذ سنوات عديدة بأن زلزالًا مدمرًا سيحدث في المستقبل في منطقة صدع البحر الميت، ووفقًا لأحد السيناريوهات، يمكن أن يُقتل في مثل هذا الزلزال آلاف الأشخاص. 

من الناحية الجيولوجية، تقع فلسطين إجمالاً، والمنطقة التي ضربتها الهزات الأرضية الأخيرة تحديدًا، على ملتقى صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، وتحديدًا في منطقة الكسر الجيولوجي المعروفة بالصدع السوري- الإفريقي، والذي يُعد طبقة صخرية حدثت فيها إزاحات أو كسور، وبخاصة في منطقة البحر الميت. 

ويمتد الصدع السوري- الإفريقي من خليج أم الرشراش (البحر الأحمر) مرورًا بالأغوار وبحيرة طبريا ووصولًا إلى جنوب تركيا، وهذا ما يفسر الهزّات الخفيفة المتتالية التي وقعت في فلسطين، منذ عام 2004.  

لذا فإن فلسطين عرضة، وباحتمالية مرتفعة، لهزة أرضية مدمرة، وبما أن هذا الصدع نشط زلزاليًا، فإن هزات أرضية قوية حدثت وقد تحدث على امتداد نحو ألف كيلومتر من الصدع.  

ومن المتوقع ألا تزيد قوة الزلازل في منطقتنا على 7 درجات، وبخاصة إذا كان مركز الزلزال في منطقة طبريا أو إصبع الجليل. 

وهناك احتمالية حدوث الزلزال في البحر، مقابل الساحل الفلسطيني، وربما على مسافة كيلومترات قليلة من شواطئ يافا أو غزة أو حيفا، وفي هذه الحال قد يتلو الزلزال أمواج تسونامي العاتية التي قد تُغرق كل المتواجدين قرب الشاطئ، وقد يكون حجم الدمار الناتج في ثوانٍ معدودة مروعًا. 

 وفي الماضي، ضربت الجزء الفلسطيني من الصدع بضع هزات أرضية قوية، منها الهزة الكبيرة التي حدثت عام 749م وتسبّبت بدمار هائل في مدن طبريا وبيسان وأريحا، وفي القرن السادس عشر قُتل الآلاف في زلزال آخر مدمر في القدس والخليل ونابلس والرملة. 

 أما زلزال عام 1837 فقد دمّر طبريا وصفد تدميرًا كبيرًا وتسبّب في مقتل الآلاف.

  

الزلزال بحد ذاته لا يقتل

بحسب بعض الدراسات الإسرائيلية الأخيرة، فإن 40% من المباني والمساكن الإسرائيلية عرضة للانهيار أو الإصابة الجدية في حال حدوث هزة أرضية قوية.  

وفي المقابل، نسبة المباني في الضفة الغربية وقطاع غزة التي هي عرضة لنفس المصير قد تكون أكبر بكثير.

وأثبتت الأبحاث أنه في حال حدوث هزة أرضية في فلسطين بقوة تفوق 6 درجات على سلّم ريختر، فإن المباني المبنية على أعمدة في طابق أرضي مفتوح (الطابق الرخو)، ستكون عرضة لانهيار شبه أكيد، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، وقد يصل عدد القتلى إلى الآلاف. 

 كما أن المناطق الساحلية مرّشحة لدمار أكبر من غيرها، بسبب الرطوبة البحرية الطبيعية التي أخلّت بهياكل المباني وأضعفتها.  

وبالرغم من عدم وجود وسيلة فعّالة، حتى الآن، تنذرنا بقرب حدوث هزة أرضية، وبالتالي منعها، إلا أن هناك وسائل فنية وهندسية للتقليل من آثار الكارثة، باتخاذ الإجراءات اللازمة، قبل وفي أثناء وبعد حدوث الزلزال، وعلى جميع المستويات، ابتداءً بالمواطن العادي، ومرورًا بالخبراء، ووصولًا إلى المسئولين السياسيين وصنّاع القرار.  

وتوجد وسائل لتقليص حجم الدمار الناتج عن الزلازل بحيث ينخفض كثيرًا حجم الخراب الهائل الذي قد تخلّفه، علمًا أن الزلزال بحد ذاته لا يقتل، بل ما يقتل هو دمار المباني والمنشآت والحرائق الناتجة عنه. 

 وكما هو متوقع، لن يعاني قاطنو المباني التي أنشئت حسب المواصفات المقاومة للزلازل الخسائر البشرية، حتى في حال حدوث هزات أرضية كبيرة.  

وفي الآونة الأخيرة، يحاول بعض العلماء توفير الحلول الفعالة لتقوية المباني ضد الهزات الأرضية. 

ومن أهم التوصيات المقترحة: إضافة الجدران، وتقوية المباني باستخدام كوابل أو قضبان فولاذية، وغير ذلك.

يضاف إلى ذلك، ضرورة مراقبة كتل الأجسام والأثقال المتحركة (الدينامية) في داخل المباني، ومحاولة التخلص منها أو نقلها إلى طوابق أرضية خارجية.

 في الواقع، جميع المباني غير المطابقة للمواصفات يجب تقويتها بالإضافات المناسبة، أو بإضافة أجنحة وجدران خارجية إضافية لها، أو بتعبئة الفراغات في الطوابق الأرضية بالباطون (أي فيما يعرف بالطوابق الرخوة).

وحسب ترتيب الأولويات، يفترض بدايةً، معالجة المباني والمنشآت العامة والحكومية، والجسور، والمستشفيات، والمؤسسات التعليمية، والمدارس، والاتصالات، وما إلى ذلك؛ إذ إن هذه المباني والمنشآت يجب أن تكون عاملة في أثناء الهزة الأرضية وبعدها، لتقديم المساعدة اللازمة.  

المشكلة الأكثر إلحاحًا هي تقوية المنازل في الأغوار الفلسطينية المحاذية لبؤر الزلازل المتوقع حدوثها في المستقبل،  ما يوجب الحكومة مساعدة وتمويل تقوية المباني، لأن سكان تلك المناطق فقراء نسبيًا.

أعمال الصيانة والوقاية

الزلزال في تركيا وسوريا يجب أن يحفزّنا على تنفيذ بعض أعمال الصيانة والوقاية البسيطة في منازلنا. 

 فعلى سبيل المثال، لو حدث زلزال قوي في منطقة البقاع اللبناني الواقع على صدع جيولوجي، فقد لا تتعرض المباني في فلسطين للدمار، لكن من الممكن أن يكمن الخطر في داخل المباني نتيجة تساقط وتحرك الأجسام الثقيلة.  لذا، يجب التأكد من عدم وجود أشياء ثقيلة في المنزل يمكن أن تتحرك وتسبب إصابات، أو التأكد من أن أسرّة الأطفال ليست تحت المصابيح الثقيلة.

ورغم أن أوقات التحذير المتاحة قبل حدوث زلزال، لا تتجاوز بضع ثوان في أحسن الأحوال، ينتشر بين الفينة والأخرى الهلع في أوساط الناس بسبب شائعات مفبركة مفادها أنه في غضون ساعات أو أيام سيضرب فلسطين زلزال كبير. 

وفي حال وجود تحذير رسمي من وقوع زلزال، أو حال حدوثه حقًا، يجب على المقيمين في المباني (خلال بضع ثوانٍ فقط) الخروج إلى منطقة مفتوحة. 

وفي حال تعذر مغادرة المبنى في غضون ثوانٍ قليلة، يجب أن يدخل المرء إلى الغرف المعزولة ويترك أبوابها ونوافذها مفتوحة، أو الخروج نحو الدرج ومواصلة النزول حتى الخروج من المبنى. 

وإذا تعذّر ذلك، فيجب عندئذ الجلوس في زاوية داخلية من الغرفة أو تحت قطعة أثاث ثقيلة وحماية الرأس بواسطة اليدين.

بينما من يتواجدون وقتئذ خارج المباني، يجب عليهم البقاء في العراء والابتعاد عن المباني والأشجار والكابلات الكهربائية والأشياء التي قد تسقط وتشكل خطرًا.  

وفي حال حدوث الزلزال في أثناء قيادة السيارة، يجب إيقافها على جانب الطريق والانتظار في داخلها حتى انتهاء الهزة، وبطبيعة الحال يجب تجنب التوقف تحت الجسر أو في مفترق طرق. 

وعلى أولئك المتواجدين على الشاطئ الابتعاد عن الشاطئ خوفًا من حدوث تسونامي، أو الصعود إلى الطابق الرابع أو أعلى في مبنى قريب.

 

 

2023-03-07