قبل بدء حرب الإبادة على قطاع غزة ، كنت قد خططت لقراءة أو إعادة قراءة (لوكريتيوس)و (دانتي) و (جوته)... كان مشروعاً قرائيا ضخماً و صعبا وممتعا ومثريا في آن، و كنت مصمما على إنجازه ، واندلعت الحرب مما أدى إلى تعطيل المشروع ، وفي مرات قليلة كنت أعود إليه كلما سمح لي هدير الطائرات وبرق الصواريخ وهدأة المدافع بذلك .
وقلت لا بأس قريبا ينتهي كل هذا وأعود إلى متابعة مشروعي القرائي ، ولكن حين طالت الحرب وضاقت علينا الدنيا وبتنا في عين المحرقة ؛ مما اضطرنا لترك مدينتا خانيونس ، وبيتنا والنزوح إلى رفح ، خفتت شهية القراءة لدي لظروف قاسية مزرية مهينة مررت بها مثل بقية النازحين لهذه المدينة الضيقة الوادعة وصارت القراءة والكتابة ترفا لا محل له ولا مكان . وانقلبت الحال وساءت الأحوال لدينا ولدى الناس هنا كافة ... صارت همومنا صغيرة ولكنها ضرورية : البحث عن مأوى وعن ماء وطعام وفراش وأغطية ... وعن اشياء كانت تبدو لنا صغيرة تافهة ، فأضحت عظيمة نافعة ... وانتظرت وانتظرت وانتظرت ولكن الحرب لم تنته , بل ازدادت ضراوة وشراسة . صارت مهرسة ومطحنة ومقتلة عظيمة ولها أهوال كأهوال يوم القيامة التي قرأنا عنها ، وأظننا الوحيدين في غزة الذين شهدناها ولم نعد بحاجة لتلك الكتب لتخبرنا عنها .
وحين لم أجد لمعة ضوء في آخر النفق ، ولا مقدار حبة خردل من الإنسانية لدى القريب والبعيد ، ولدى العدو والأخ الذي ألقى بي وبنا في مهاوي الردى وفي هذه النار العظيمة وانبرى يدعو لنا من بعيد : يانار كوني بردا وسلاما على .... أدركت أن المسبحة فرطت وفي انتظار الموت الذي قد يأتي في أية لحظة ، قررت أن أكمل مشروعي العتيد ، وأكملته قراءة على جهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول pdf ولكم أن تتخيلوا ما عانيت في هذه القراءة التي لم أفضلها يوماً ، ولكن أجبرت عليها إجبارا.
أنهيت القراءة وهذه خلاصة القراءة: تيتوس لوكريتيوس دانتي جوته الأول كان شاعر الطبيعة والبحث عن اللذة بمفهومها الأبيقوري والألم الذي يتأتى عن المعرفة وإقصاء كل ما هو غيبي عن كنه وجود الإنسان.
والثاني شاعر الخلاص المتكيء على الأخلاق وفرز الإنسان على أساس الخير والشر .
والثالث شاعر تمجيد حياة الإنسان بأولياتها وبديهياتها / الحياة كما هي بطهرانية إنسانها وخطاياه القابلة للغفران .