قلت لكم من زمان دي ثورة عبقرية .. ما تسألونيش ..!!
يمكن علشان اللي قام بها مصريين ؟!ـ جايز .. الشعب ده فعلا شعب عبقري، عجيب، فريد .. بس دمه خفيف .. تعالوا نشوف كده .. !! *** كان الداعون للتصويت بـ (لا للدستور) قد جمّعوا حولهم كل مَن بالشارع حتى الواحدة صباحاً.. مئات من الداعين والمدعوِّين للتصويت بـ (لا) في ميدان المنشية قبل ساعات من فتح لجان التصويت بالاسكندرية.. كان الضوءُ خافتاً بالميدان، ويجيء صاحبنا بلحيته المتوسطة الطول (بين بين)، وبكل هدوء ورصانة بدأ يوزع علينا جميعا أوراقه التي بين يديه بواقع ورقتين لكل رجل أو امرأة أو صبي؛ و حتى على الذين يوزعون أوراق (لا للدستور) أنفسهم .. كان الضوء خافناً ولم يتـبيّن أحد منا ما بالأوراق حتى فرغ صاحبنا من تمام توزيع كافة ما لديه . وعند أول شخص يكتشف حقيقة المكتوب بالأوراق من خلال الضوء الخافت، وقبل أن يبدأ يقرأ علينا المكتوب . سبقه أخونا السلفي (صاحب الأوراق)، وأخذ يصيح فينا وبلهجة حازمة، حاسمة، شديدة، آمرة: إوعوا واحد منكم يرمي ورقة واحدة من الأوراق اللي في ايديكو على الأرض. حرام عليكو الأوراق بها قرآن .. ! بحلق الجميع في الأوراق ـ رغم الضوء الخافت ـ كما بحلقت أنا، وقرؤوا ـ بالتأكيد ـ كما قرأت أنا: ( ولينصرنّ الله مَن ينصره ، إنّ الله لقويّ عزيز).. قولوا نعم للدستور.. !!.
*** ... وبقيت في ذات الليلة أجادل أصحاب الـ لاءات العديدة المتكدسة تحت الضوء الخافت بالميدان. وما كدت أُقنع الرافضين حتى لمجرد الإستماع لمَن يعتزم أن يقول أمامهم كلمة (لا) ؛ فضلاً عن أن أجني الثمار ؛ حتى صرخت فجأة وبحدّةٍ في وجهي: مالك يا أستاذ؟ أنت هتفهم أحسن مني؟ أنا محامية .. وبقول لك أنت؛ وهمّا وكلكم : لازم تقولوا (لااااا) للدستور.
ـ طيب قوليلنا طيب (لأ) ليه ؟ ردّت المحامية الشابة على سؤالي بسؤال استنكاري ـ يعني عاجبك أن تربط الأجور بالانتاج بدلا من ربطها بالأسعار؟! وليه مستعجلين قوي كده على تمرير الدستور وتأسيس مجلس الشعب؟ ولو عندك مخاوف على الاقتصاد؟ ليه إحنا منعناك تقترح حلول ؟! متروح تقول لحكومتك اقتراحاتك لحل مشكلة انتاج رغيف الخبز زيّ مابتقول؟ ياللا روح ورّينا كده . واقف ليه؟ روح قل لهم اقتراحاتك لحل مشكلة انتاج رغيف العيش روح واقف ليه .. متروح تقول .. مستني إيه؟ ــ يا ستي ..مستنيكي بسّ تسكتي .. !!
*** رجل (بلدينا) أشفق على الشابة الرافضة الزاعقة الداعية بعصبية لـ (لا للدستور) وقف بيني وبينها، و شرع في تهدئتها، وهو يبعدني شيئاً فشيئاً عن دائرة النقاش، حتى صحت في وجهه: ـ ما لك يا راجل انت؟! ـ أنت شايفنا يعني بنتعارك؟! ردّ الرجل : يعني أنا غلطان؟! طيب أسيبكو تصرخوا كده كتير وتمسكوا في بعض؟! أنا جيت يا أستاذ أعرف أي حاجة عن الدستور، مش أسمع صراخكم .. !!
نظرتُ للرجل ولعمامتة وجلبابه وبين الحدة والابتسامة سألته ـ يعني جيت انت الليلة من أسيوط مخصوص، علشان تعرف حاجة عن الدستور؟! ردّ عليّ: طبعاً يا أستاذ ـ أومال جاي أبيع بطاطا؟!! بعد ليلة من برد قارس وحوار حار ملتهب .. ومع أواخر المنصرفين إنصرفت لألحق بسيارة السيرفيس إلى المحطة؛ في الجانب الآخر من الشارع ، وجدت نفس الرجل بلدينا الصعيدي ، بيبيع بطاطا .. !!
*** نسيت العربة والمحطة والبيت والنوم ووقفت آكل بطاطا سخنة على مشارف فجر الاسكندرية البارد سألت الرجل ليه رح تقول نعم ؟ ردّ الرجل : أنتم مثقفين بس مش فاهمين .. هوه مهم أوي ربط المرتبات بالإنتاج ؟ أو بالأسعار؟! المهم يكون فيه مرتبات والسلام .. !! وبعدين أنا سمعتكم بتقولوا المادة (52) و (170) و (213) ... طيب طالما فيه مواد كتيرة قوي كده في الدستور . بتتعاركوا على إيه بقه؟!! ده زمان في عهد أبو علاء المخلوع كان الدستور مادة واحدة بسّ .. يعني قانون واحد بس كان بيحكم مصر.. والاّ انت إياكش نسيت حالاً قانون الطواريء ؟!! *** قلتلكم من زمان دي ثورة عبقرية .. ما تسألونيش ..!! يمكن علشان اللي قام بها مصريين ؟!ـ جايز .. الشعب ده فعلا شعب عبقري، عجيب، فريد .. بس دمه خفيف .. ولو لسه مش مصدقين كلامي، ارجعوا اقرؤوا الموضوع ده من تاني.. !! ***