تدخل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصيا، لمنع رفع دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في قضية تحرشه اللفظي بالملاكمة إيمان خليف على مواقع التواصل والتشكيك في هويتها الجنسية، لتجنب إقحام الجزائر كطرف في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية حاليا.
وقال مصطفى بيراف، رئيس رابطة اللجان الأولمبية الوطنية الأفريقية، في حوار مع موقع “لاباتري نيوز” المحلي في الجزائر، إن محاميا جزائريا كان يعتزم رفع دعوى أمام المحكمة الدولية ضد ترامب، لكن الرئيس تبون، “أصدر تعليمات واضحة بعدم المضي قدماً في هذا الإجراء”، حرصاً منه على “عدم التأثير سلبا على المناخ الانتخابي في الولايات المتحدة، التي تمر بمرحلة حساسة لها انعكاسات على الساحة العالمية”.
وأوضح عضو اللجنة الأولمبية الدولية، أن المحامي الذي حاول إثارة القضية في وسائل الإعلام كان ينوي اتخاذ إجراءات قانونية شاملة، لكن التدخل الرئاسي جاء ليفرض الحكمة والتأني في هذه اللحظة الدقيقة، على حد تعبيره. وجاءت تعليمات تبون، وفق بيراف، لكون “الجزائر تؤمن بمبادئ الحياد واحترام سيادة الدول، ولن تشارك في أي عمل من شأنه أن يعكر العملية الانتخابية في الولايات المتحدة”.
ولفت المسؤول الأولمبي الجزائري، إلى أن الإجراء الذي اتخذه المحامي لم يكن مناسبا خاصة من حيث التوقيت، مؤكدا على أن الجزائر “لن تسمح أبداً بأن تُستغل قضية وطنية للإضرار بالعلاقات الدولية أو لتعكير المناخ الانتخابي في دول أخرى”.
وفي قلب معركتها من أجل اللقب الأولمبي شهر أغسطس/ آب الماضي، شنّ الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة دونالد ترامب، هجوما ضاريا على الملاكمة إيمان خليف محاولا النيل من كرامتها كامرأة. وبدأ ذلك في المرة الأولى برسالة على منصته “تروث سوشيال” وعد فيها بأنه “سيستبعد الرجال من منافسات النساء” إذا تم انتخابه في تشرين الثاني/ نوفمبر، مرفقا كلامه بمقطع فيديو للنزال بين إيمان خليف وأنجيلا كاريني. وكان هذا النزال قد استمر 46 ثانية فقط، حيث تعمدت اللاعبة الإيطالية الانسحاب ورفضت مصافحة خليف، وحاولت أن تظهر نفسها في صورة الضحية التي واجهت “لكمات رجل”. ووجدت في ذلك مساندة من أكبر الشخصيات السياسية في بلادها والعالم.
وعاد ترامب ليهاجم من جديد الملاكمة الجزائرية في خطاب له أمام أنصاره في سياق الانتخابات الأمريكية، قائلا إن الملاكمة الإيطالية التي وصفها بالبطلة، “تعرضت لضربة قوية لدرجة أنها لم تكن تعلن ما الذي أصابها”، في إشارة لنزالها مع إيمان خليف في الأولمبياد. وأضاف ساخرا من الملاكمة الجزائرية: “لقد كان (منافسها) شخصا عابرا جنسيا.. كان ملاكما رجلا جيدا”. وتابع: “لكنها (الإيطالية) لم تستسلم حتى ضربها ضربتين قويتين فقالت سأنسحب”.
واتخذ ترامب من قضية الملاكمة إيمان خليف، مطية لضرب منافسته في الانتخابات الرئاسية كاميلا هاريس، على اعتبار أن الحزب الديمقراطي يدعم مسائل التحول الجنسي ويروج للنظريات الجندرية التي يعتبرها المحافظون انحطاطا أخلاقيا. لكن الإشكال أن خليف كانت ضحية في صراع لا علاقة لها به، كون هذه القضايا المتعلقة بالعبور الجنسي وإزالة الفروق بين المرأة والرجل، هي نقاش غربي خالص، ليس موجودا على الإطلاق في الجزائر وباقي الدول الإسلامية، ما يجعل الادعاء بأن إيمان خليف متحولة جنسيا مثيرا للسخرية.
وعلى شاكلة ترامب، أدلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتخذ من نقطة الانحطاط الأخلاقي مادة للمواجهة مع الغرب، بتصريحات مستفزة تشكك في أنوثة الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، معتبرا فوزها بالميدالية الذهبية في أولمبياد باريس “غير عادل” و”هراء”.
وقال بوتين قبل أيام خلال لقائه مع طلاب مدارس في كيزيل، إن فوز الملاكمة الجزائرية إيمان خليف “غير عادل” و”هراء”. مضيفا: “إنهم يقتلون الرياضة النسائية. يمكن لأي رجل ببساطة أن يعلن نفسه امرأة ويشارك في أي رياضة دون إعطاء أي فرصة للنساء للفوز بمراكز الميداليات ناهيك عن المراكز الأولى”، بحسب ما أوردت “أسوشيتد برس”. ورغم أن بوتين لم يذكر إيمان بالاسم، إلا أنه كان يقصدها بشكل مباشر، معيدا بذلك ما كان ممثل بلده في مجلس الأمن قد ردده حول الملاكمة الجزائرية في 8 آب/ أغسطس الماضي.
وفي تلك الواقعة، رد ممثل الجزائر بقوة على السفير الروسي، تحت قبة مجلس الأمن، مؤكدا أن “الملاكمة الشجاعة، الآنسة إيمان خليف ولدت أنثى، عاشت طفولتها بنتا يافعة، مارست الرياضة كامرأة بكامل المقاييس”، مبرزا أنه “لا يوجد أدنى شك حول ذلك، إلا من له أجندة سياسية لا ندري مقاصدها”. وأضاف قائلا: “أكتفي بإحالة الجميع إلى اللجنة الأولمبية الدولية نفسها والتي بكامل الوضوح وبشهادتها تقصم ظهر كل مشكك في بطلتنا الشجاعة الآبية، حفيدة النساء الجزائريات الحرائر”.