من استعباد الجسد المطلق " الرق والعبودية " الى استعباد القدرات الجماعية " الاقنان " الى استعباد القدرة الفردية " العمال "الى استعباد العقل " اقتصاد المعرفة " ففي حين كانت مرحلة الرق مرحلة الحاجة للعبيد لتنفيذ اكثر الاعمال قذارة وخطورة كان التكاثر لهؤلاء العبيد حاجة ضرورية للسادة لتنفيذ ما يحتاجون له وكذا الى التكاثر للأقنان لاستغلال اكبر قدر ممكن من الأرض ومساحاتها وتحقيق اكبر قدر من الثروة على حساب عائلات الاقنان التي جرى استعباد العائلة جميعها في الأوقات الضرورية وترك الأوقات التي لا تصلح للعمل في الأرض لهم مقابل ان يحصلوا على اقل قدر من القوت اللازم لمواصلة حياتهم العملية لصالح السيد وفي مرحلة الاقطاع ظهرت أهمية الاسرة لصالح السيد.
بعد الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية تحول الاستعباد الى استعباد الشخص بوقت محدد مقابل مبلغ محدد من المال وظلت حاجة السيد لمزيد من البشر " العمال او الموظفين " وكلا الصنفين جرى استعبادهم لساعات محدودة مقابل مبلغ من المال يكفي لإبقائهم على قيد الحياة وقادرين على العمل لصالح السيد.
ما اسماه الاقتصاد السياسي فائض القيمة هو الذي منح العمال التفكير بحقهم هم بما تجنيه أيديهم لا لصالح السيد الذي لا يفعل شيئا سوى ملكيته للمال الذي ينعونه له هم بأيديهم وهم ما دفع السيد الرأسمالي للبحث عن وسائل تقلل حاجته لهؤلاء الذي يدسون عيونهم في جيبه وانوفهم في طعامه ولذا جرى السعي لتطوير الالة أكثر فأكثر لتقليل الاعتماد على العامل من أي شيء لقوة وقدرة أصحاب هذه القوة على تعطيل دولاب العمل وبالتالي تعطيل قنوات المال لخزائن السيد.
ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وظهور اقتصاد المعرفة بعد ظهر الانسان الآلي وانتقلت القيمة الممنوحة للسيد من يد العمال الى عقول النخبة وأصبح فائض القيمة التي تحتاج شعبا من عشرة ملايين نسمة مثلا الى قيمة فائضة على يد عقول افراد قلة وايادي قليلة لا تملك القدرة على الاعتراض ولا المصلحة بهذا الاعتراض.
القيمة الفائضة التي صنعتها سلعة المعرفة الجديدة حولت البشر الى فائض عن الحاجة وهو ما يعني ضرورة التخلص من عبء بشري غير فعال وغير منتج وغير مفيد وظهرت العنصرية وصار من الضروري التخلص منهم بالحروب او يمنع التكاثر وبدل الزيادة العددية صار هنا ضرورة للتقليص العددي فالزوجان اللذان كانا ينجبان خمسة ستة أطفال ليتحول الستة الى مع ستة اخرين ال ثلاثين صاروا " المضاعفة العددية " صار الاثنان ينجبان واحد وبالتالي بدل نظام المضاعفات العددية المذهل بتنا نذهب الى النكوص العددي فالأربعة الأصل ينجبان اثنان والاثنان ينجبان واحد بدل ثلاثين في النموذج السابق واذا اضفنا اليهم الامراض والحروب وتداخل السلاح بالمعرفة والانتقال من أجيال السلاح الناري وما على شاكلته الى السلاح الالكتروني والبيولوجي والفيزيائي بل والرياضي حتى وهو ما يعني سيطرة مطلقة للعقل المنتفع من المال والسلاح لصالح سطوته المطلقة على الكون
الشعب الذي كان يحتاجه السيد ويحتاج معه فكرا يوحده وقومية يلتف من حولها ودولة تحدد سيطرته وتمكنه من حماية مصالح هذا السيد بينما لم يعد سيد المعرفة بحاجة لكل ذلك فمصلحته صارت في الفضاء المفتوح الذي يمكنه من تسويق سلعته العابرة لكل شيء وكل حدود مادية او معنوية فهي مكونها الأساس الفضاء وبالتالي فان راس مال المعرفة لم يعد بحاجة للدولة القومية او الدينية وصار المطلوب تحطيم كل المقدسات التي صنعتها العصور السابقة وكما تمكنت الرأسمالية الأوروبية من تحطيم تابو الدين المسيحي بعد ان كانت قد اقتسمته وحولته الى مقدسات متنازعة وبدل المسيحية الواحدة ظهرت مسيحيات الطوائف الى ان تم اغلاق الكنيسة عليها ومنعها من التجول في الشارع وباتت العلاقات بين الناس افرادا ومجموعات تقوم على قاعدة المصلحة المباشرة بشكل او بآخر ولم تعد العلاقات القائمة على الدين او اللغة او القومية هي الأساس وهو ما تتطور اكثر فاكثر بعد ان تطورت التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الى اقتصاد المعرفة وتحولت المعرفة نفسها التي كانت تشكل رابطا اجتماعيا بين الافراد والمجموعات عبر علاقتهم بالسلعة المادية التي شكلت أساس التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية او ما سبقها صارت المعرفة نفسها هي السلعة مما افقدها قيمتها الروحية من خلال تشييئها.
منذ امد بعيد انهار الدين المسيحي كنظام حياة وكذا عديد الأديان والدين الوحيد الذي ظل يحاول ويسعى هو الإسلام ولذا سعى أصحاب امبريالية المعرفة لتحطيمه او تحطيم ناسه فصنعت صراعات المذاهب وفي سبيل ذلك اقامت حربا على إيران وكذا على اليمن بعد ذلك لمدة ثاني سنوات وأكثر فقط لتكرس الصراع بين سني وشيعي وعربي وفارسي ثم اقامت عديد الصراعات في ل مكان ما هو الحال في سوريا والسودان وليبيا واليمن ومن لم تستطع دفعهم للاقتتال أتت لهم بمن يفعل كما هو حال الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين وحتى اللحظة لم يتمكن المسلمين بكل طوائفهم ان الإسلام يحتمل الاختلاف والاجتهاد في ظل الوحدة الروحية باستعادة المكانة الروحية والإنسانية للمعرفة من ايدي لصوص المال وهي أي المعرفة الروحية يمكنها ان تتحول الى أقوى سلاح كوني في مواجهة سلاح المعرفة السلعة وهذا يعني ان ينتصر الصراح بين العقل الروح الذي يسعى لسعادة وسلام البشرية والعقل السلعة الذي يسعى لقهر والبشر والتخلص من الجزء الابر منهم واستعباد ما يبقى من النخب المطواعة.
اقتصاد المعرفة ألغي كل ذلك فهو لا يحتاج الا لعقول قليلة وايدي قليلة مما جعل المشاعر المشتركة تغييب والعاملين في انتاج سلعة المعرفة عادة ما لا يلتقون ولا يتعرضون للاضطهاد وهم يعيشون داخل علب عقولهم او شاشات حاسوبهم ثم انهم بدأوا يستغنون تدريجيا عن الحاجة لليد الإنسانية بعد ان صنعوا الانسان الآلي الذي يخدم دون ان يشكو او يتمرد مع ان هناك من يبشر بإنسان الي متمرد وهو ما يمكننا التكهن به مبكرا الا انه إذا ان ذل صحيحا فنحن سنذهب الى تشكيلة مختلفة يعو بها الانسان الى العبودية المطلقة من جديد.
من سمات التشكيلة الجديدة الاجتماعية ان المعرفة باتت اسهل من أي شيء وبات الجهل يكاد يكون نادرا وكذا الخوف من هذا المجهول الذي لم يعد قائما ومن جانب اخر أغلقت الأبواب على الافراد ولم يعد الانسان الفرد بحاجة مطلقة الى الفرد الاخر حتى يكاد يمكن القول ان الأجهزة اللوحية باتت تتحول العالم الاجتماعي للفرد وبالتالي صار بإمكان من يعيش في مجتمع متخلف ان ينتقل افتراضيا للعيش في مجتمع اخر وبيده ان يختار المجتمع والثقافة وأسلوب الحياة التي يريد دون حسيب او رقيب وهذا عطل او اضعف العلاقات الإنسانية والمشاعر الإنسانية حتى تم استلابها وهذا ينسحب على العالم هذه الأيام من عدم اكتراث لما يجري في غزة من إبادة جماعية علنية لشعب بأسره او اعتداء سافر على لبنان باستخدام المعرفة للموت بتفجير أجهزة مناداة رقمية في المستشفيات والبيوت وفي ايدي البشر العزل .
ابدا لم يكن نوبل يقصد من اختراع الديناميت قتل البشر لن شريري المال هم من جعلوا منه كذلك ومهما فعلت جوائز نوبل للسلام الا ان ما بقي هو الموت وصار السلام نقدا وصورة ولقب وهو ما حدث مع من اخترعوا الثورة الرقمية وهم بالتأكيد لن يجدوا طريقا للخلاص من شريري المال الذين حولوه الى أدوات موت للروح بكل معانيها المادية والروحية وما نراه من اعتياد الذبح الجماعي لأهل غزة والعالم يتفرج لا اكثر ولا اقل لهو اكبر دليل على ان إنسانية الانسان قد تم استلابها كليا فالذين يتفرجون على القتل في غزة قتلة والذين يقتلون بعضهم في السودان قتلة لكن القتلة الأسوأ هم من يمولون ويدعمون ويحمون ويزودون القتلة بالسلاح وأسوأ ما في الامر ان الغالبية العظمى من البشر يتفرجون على ذبح غيرهم وينتظرون دورهم دون ان يحركوا ساكنا سوى الصراخ الصامت امام مجرمي المال الذين تخلوا عن الآذان والعيون والقلوب الآدمية.
ان ما يجري في غزة ولبنان هو اعلان جديد عن العصر القادم عصر القتل العلني بتسويق الأسلحة القديمة كما هو الحال في غزة حيث تجرب الأسلحة هنا باللحم الحي الفلسطيني تمهيدا لبيعها للشعوب التي ترغب امبريالية المعرفة من التخلص منهم وما يجري في لبنان تجريب للسلاح القادم الذي يسعى لاستخدام أدوات رفاهية البشر كأدوات موت والقادم أسوأ ونحن نسمع عن استخدام البيولوجيا في السلاح الفيروسي والفيزياء في أسلحة الطبيعة واذا لم يصحو العالم على جريمة أمريكا الدائمة فان النهايات ستاتي على كل من لا تحتاجه في حياتها وهذا لا يعني بالضرورة انها ستقبل بمن يقبل بان يكون عبدا لها حتى.