الإثنين 30/5/1446 هـ الموافق 02/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جبهات المقاومة والإسناد، والبعث من تحت الرماد...محمد عزت علي الشريف

  المقاومةُ، والجهادُ ليْسا ميداناً للهواة. وللحق طريقٌ واحدٌ، وليس لأهله من خيار. وعندما يكون الحق واحداً وتكون الأباطيل كثيرة؛ فلابد لهذا الحق من قوة، ولو أنّ الحقَ قويٌّ بذاته إلا أنّ إرادة الله في الابتلاء شاءت أن يحتاجَ الحقُّ من أهله صدقَ نِيَّة، وسعياً، وقوة إضافية خارجية فضلاً عن قوته الذاتية. ولأن الله هو الحق، فإن رجال الحق يصنعهم الله على عَيْنِه، ولا يغرنّك تَقَلُّب الذين كفروا في البلاد، متاعٌ قليل. وإنّ للباطل جولة.. جولة يُمَحِّص بها الله قلوب المؤمنين المجاهدين؛ بلاءً يرفع من درجاتهم عند ربهم؛ في الدنيا والآخرة. ولا أقول جديداً إذْ أقولُ إنّ رجالات المقاومة الفلسطينية في غزة، وجبهات الإسناد المعاوِنة بَرزَت جميعها للجهاد بعد أنْ صَقَلتهم نار التجارب طويلاً، واختبرت أصالة معدنهم ومَيّزتْهُ ونفت عنه الشوائب والشوارد والخبائث. فأمّا المقاومة الفلسطينية : فلم تكن صولة السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها من قتال هي الحرب الأولى التي يخوضها رجال حماس، والجهاد وغيرهما من فصائل المقاومة في غزة؛ بل مرُّوا من قبلها بتجارب قتالية عديدة، وعصيبة؛ منها حرب الفرقان التي أسماها جيش الاحتلال "الرصاص المصبوب"؛ تلك العملية العسكرية التي امتدت من أواخر 2008 إلى أوائل 2009 - ومن بعدها عاد جيش الاحتلال الغاشم إلى غزة في 2012 في عملية "عمود السحاب" اغتالوا في بدايتها القائد القسامي أحمد الجعبري في غارة جوية إسرائيلية، وما لبثوا أن عادوا إلى غزة في 2014 بعملية أطلق عليها جيش الاحتلال " الجرف الصامد" وردّت عليه حركة الجهاد الإسلامي بعملية " البنيان المرصوص"، فيما سخرت حركة حماس من الجرف الصامد بعملية أطلقت عليها " العصف المأكول" ومن ثم كانت عملية "سيف القدس" في 2021، كل هذا التَصدّي الباسل لقوات المقاومة أكسبها -بلا شك- خبرات كبيرة حتى جاءت صولة السابع من أكتوبر2023 العظيمة؛ التي خاضها المجاهدون برصيد كبير من التجارب، وتراكم ضخم من المعارف والخبرات. وأمّا جبهة المقاومة والإسناد اللبنانية: فغير خافٍ على الصهاينة والعالم خبرات رجالات حزب الله اللبناني في حرب تحرير الجنوب من العدو المحتل الغاشم في عام 2000، وثم كانت حرب تموز 2006 التي أبلى فيها رجال المقاومة بلاءً حسناً، وأحرزوا انتصاراً مشهودا. بل وكانت للمقاومة اللبنانية خبرات كثيرة متراكمة؛ متحصلة من تجارب وقوفها كجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة في أكثر من معركة من قبل عملية الطوفان ، مما مَكٌنها من البروز للحرب كجبهة مساندة قوية للمقاومة في غزة ومنذ اليوم التالي لبدء الطوفان. وأمّا جبهة الإسناد اليمنية: فقد خرج رجالها من تحت رماد نيران التحالف العسكري؛ الذي قادته السعودية في 2015 للإطاحة بسلطة أنصار الله الحوثيين في البلاد، من خلال ضربات جوية مكثفة على مناطق عدة مؤثرة في اليمن، ظنوا أن تكون هي القاصمة، ولهذا أطلقوا عليها "عاصفة الحزم"، ولمّا لم يكن حزمٌ بدأوا في إعادة صياغة المصطلحات، و واصلوا العدوان تحت شعار جديد هذه المرة عنوانه "إعادة الأمل". ولا أظن أنْ قد عاد لهم أيُّ أمل بعد فشلهم في تنصيب حكومة في البلاد وفق مزاجهم وتبعاً لأهوائهم، ولكن ما أعتقده هو خروج المقاومة اليمنية من تحت رماد النار أكثر خبرة وحنكة؛ حتى برزت بعد سنوات كجبهة إسناد قوية للمقاومة الفلسطينية؛ قادرة على السيطرة على الملاحة البحرية عند مضيق باب المندب، وفي البحر الأحمر، وبحر العرب؛ بما تيسّر لها من أسلحة و عتاد، وبما خرجت به من خبرات الصمود ضد تحالف " عاصفة الحزم" و" إعادة الأمل". وأمّا جبهة الإسناد العراقية : فقد خرجت من رماد النيران الكثيفة التي صَبّوها على العراق صبّاً طوال سنوات وسنوات، وحسبوا أنْ قد سقطت بغداد العروبة تحت نيران تحالف العدوان الثلاثيني على البلاد، وظنوا ألا تقوم لبغداد من بعدها في العروبة قائمة. ولكن خابت مراميهم وساءَ تقديرُهم؛ فها هم أبطال العراق يقومون من تحت رماد النار، ويُلهبون قواعد الأمريكان العسكرية في العراق، و تمركزات قوات الاحتلال الصهيوني في الجولان بسياط النار، ويطالون بطائراتهم المُسيَّرة أبعد نقطة للكيان على الأرض الفلسطينية المحتلة. وأمّا جبهة العَون والإسناد الإيرانية: فَحَدِّث ولا حرج، فقد تراكمت لديها خبرات عسكرية و تصنيعية لا مثيل لها على مدي حرب طويلة شرسة هي حرب الخليج الأولى ، وظلًت إيران من بعدها تواصل تطوير و تحديث منظومتها الصاروخية الجبارة؛ حتى برزت للجهاد كجبهة عون وإسناد لكل الجبهات المتخندقة في خندق المقاومة الفلسطينية. ولقد رأينا في خلال عام واحد مضى منذ السابع من أكتوبر 2023 كيف طوّرت طهران من هجماتها الصاروخية على الكيان المحتلّ؛ في "الوعد الصادق 1" و " الوعد الصادق2". هكذا نلاحظ أن كل جبهات المقاومة والإسناد المجاهدة من أجل تحرير فلسطين، قد مرّت بتجارب عسكرية؛ قوية وقاسية من قبل صولة السابع من أكتوبر؛ مما أكسبها تراكماً معرفياً كبيراً؛ عسكرياً، وتنظيمياً. كما نلاحظ أن كل تلك الجبهات المقاومة والمساندة – في معظمها - ليست خاضعة بشكل مباشر لسلطات حكومية رسمية خائرة ومعوِّقة، ما أكسبها مرونة أكثر، وشعوراً بالمسئولية أكبر، فأضاف لها مع الخبرة حكمةً لا تتسنَّى لغيرها. وهكذا نرى وبحق: أنْ ليس الجهادُ وليست المقاومةُ للهواة، وإنما هي النِيّة، والسعيّ، ورجالٌ هم أهلٌ للحق، صنعهم الله على عَيْنِه، وصقلتهم النيران ليخرجوا من تحت الرماد رجالاً أشداء، ومقاومة باسلة للاحتلال الغاشم الذي ليس له في النهاية من مآل؛ غير الاندحار، والمهانة، والخذلان. كاتب وأديب مصري

2024-11-05