الإثنين 30/5/1446 هـ الموافق 02/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة في المشهد "قرار اقالة غالانت وتعيين كاتس" ....لما طه الفقيه

 إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في نوفمبر 2024 من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جاءت لتشعل موجة جديدة من الجدل السياسي والاجتماعي في إسرائيل، وتلقي بظلالها على استقرار الحكومة الإسرائيلية في خضم نقاش واسع حول قضايا القضاء والأمن. أثار هذا القرار ردود فعل قوية داخلياً وخارجياً، ليكشف مرة أخرى عمق الانقسام السياسي والمجتمعي داخل إسرائيل.

 

الخلفية والدوافع وراء الإقالة

 

كان غالانت، المعروف بخبرته العسكرية الطويلة، قد حذر علناً من تداعيات خطة الإصلاح القضائي التي كانت قيد التنفيذ، وأشار إلى أن استمرار الانقسامات السياسية سيؤثر على تماسك المجتمع الإسرائيلي وعلى جاهزية الجيش. موقفه العلني اعتُبر بمثابة تهديد لاستقرار الحكومة وزعزعة لسلطة رئيس الوزراء نتنياهو، الذي يسعى لتحقيق مشروع الإصلاحات القضائية وسط معارضة واسعة، رأى في تصريحات غالانت خروجاً عن صفوف الحكومة، واتخذ قرار إقالته لاستعادة السيطرة.

 

تحليل إقالة غالانت

 

    1.    تصعيد الانقسامات الداخلية: جاءت الإقالة في وقت تواجه فيه الحكومة موجة احتجاجات واسعة على خططها الإصلاحية، ما زاد من زخم الشارع وعمّق الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، بعد الإعلان عن إقالة غالانت، خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، مؤكدين أن هذه الخطوة تهدد الديمقراطية في البلاد.

    2.    التسييس المتزايد للقضايا الأمنية: تصريحات غالانت حول تأثير الأزمة السياسية على الجاهزية العسكرية تضع الحكومة في موقف صعب، حيث أن الجيش يُعتبر مؤسسة تحظى بتأييد كبير ويُنظر إليه باعتباره فوق الانقسامات السياسية. إقالة وزير الدفاع بسبب موقفه من قضايا سياسية عززت المخاوف من تسييس المؤسسات الأمنية الحيوية، الأمر الذي يُنظر إليه كتهديد للأمن القومي.

 

تعيين يسرائيل كاتس: دلالات وأبعاد

 

قرار نتنياهو بتعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع بعد إقالة غالانت يعكس رغبته في الحفاظ على الولاء الداخلي داخل الحكومة. كاتس يُعتبر من الشخصيات البارزة في حزب الليكود ويتمتع بخبرة طويلة في السياسة الإسرائيلية، لكنه يفتقر إلى الخلفية العسكرية الواسعة التي كانت لدى غالانت. يحمل تعيينه عدة دلالات:

    1.    تعزيز سيطرة نتنياهو: كاتس من المؤيدين لسياسات نتنياهو، وتعيينه يشير إلى سعي نتنياهو لتثبيت حكومته داخلياً والتأكد من الولاء الكامل في هذا الوقت الحرج. تعيينه يظهر كجزء من استراتيجية رئيس الوزراء لتجنب أي معارضة داخلية لمشروعه القضائي.

    2.    التحديات الأمنية المحتملة: غياب الخلفية العسكرية لدى كاتس قد يُضعف موقفه في قيادة وزارة الدفاع في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية، سواء من ناحية التهديدات الخارجية أو من ناحية الحفاظ على معنويات الجيش. تعيين شخصية بدون خبرة عسكرية واسعة في هذا المنصب أثار تساؤلات حول مدى كفاءة الحكومة في التعامل مع التهديدات الأمنية المتزايدة.

 

التداعيات المتوقعة

 

    1.    استمرار الاحتجاجات وتصاعدها: تعيين كاتس لن يخفف من حدة الغضب الشعبي، بل قد يزيده. المتظاهرون الذين يرون في خطة الإصلاح القضائي تهديداً للديمقراطية الإسرائيلية مستمرون في المطالبة بوقف هذه الإصلاحات.

    2.    استقرار الحكومة على المحك: خطوة الإقالة قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل الحكومة الائتلافية بزعامة نتنياهو، إذ أن استمرار الاحتجاجات والغضب الشعبي يمكن أن يدفع بعض حلفاء نتنياهو إلى إعادة النظر في دعمهم له، مما قد يهدد استقرار الحكومة.

    3.    انعكاسات على الجيش: إقالة غالانت، الذي كان يحظى بدعم من قيادات عسكرية عديدة، وتعيين شخصية مدنية مثيرة للجدل قد يؤدي إلى توتر بين القيادة السياسية والعسكرية. الجيش الإسرائيلي قد يجد نفسه في موقف حساس، وهو ما قد يؤثر على وحدة الجيش واستعداده للتعامل مع التحديات.

 

الخلاصة

 

إقالة يوآف غالانت وتعيين يسرائيل كاتس عكست الأزمة العميقة التي تمر بها إسرائيل، حيث تتقاطع القضايا الأمنية والسياسية لتشكل مشهداً معقداً. قرارات نتنياهو الأخيرة قد تساعده في الحفاظ على ولاء حكومته، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية واستقلالية المؤسسات الأمنية في إسرائيل. ما يحدث اليوم في إسرائيل قد يكون له تداعيات بعيدة المدى، سواء على المستوى الداخلي أو في علاقاتها الخارجية، ويضعها أمام مفترق طرق تاريخي قد يعيد تشكيل نظامها السياسي ومستقبلها.

2024-11-08