اجتمعت لجنة التكريم وجهزت وسام وفي محاولة الإبهار سماه النوط "السيف البتار" لتكريمي على شجاعتي الحربية، وصمودي في جبهات المجابهة وقيادتي مجموعة مغاوير، لولاها لم يسجل التاريخ بأحرف من طباشير تاريخي الحربي، وانا اعترف أنني لا أجيد استخدام المسدس ولا السيف، ولم أكن يوما جنديا حتى في الخدمة الاجبارية، لكنهم قدموا لي وساما عسكريا رفيعا، وكدت أن أسبق ديغول في رتبة الفيلدمارشال، لولا أنني قد تداركت انفعالهم.
وحالما هزمت في انتخابات لجنة محلية، وفي يوم التسليم والاستلام، حضر جمهور واسع يملك الفراغ، جاء للتمتع بحفل تكريمي المهيب، وتسليمي درع الانجاز على كل الاشياء التي لم أفعلها ولم اقم بها، بل كان الموقع مجرد برستيج يضاف إلى سيرتي الذاتية ونوع من العرط والمباهاة.
يومها ألقيت خطبة مسروقة من خطبة الهندي الاحمر الأخيرة ضربت الطاولة بيدي وانا اصرخ واحرك اصابعي، سردت مقاطع منها وزورتها قاصدا دك حصون الكلام.
بل انشدت على بحر الرجز كي تبدو قصيدة غنائية، وصفق لي الجمهور الدائخ مطولا حتى اعتقدت انني ضيعت امرؤ القيس في الشعر وحاصرت الحجاج في بلاغته.
كان يوما تاريخيا فيه الفلاشات والتصوير والمنشورات تمجد كل الاشياء التي لم افعلها من أبجديات العجز في أي لجنة مترهلة، حتى الاجتماع الأسبوعي لم يحدث طوال عامين.
كنت أعتلي المنصة مغرورا بياقتي المنشاة، وربطة عنق مزركشة كما خطوط الحمار الوحشي، وكدت انهق بعد إشارات الاعجاب، تحكمت بالعضوية احضرت المراسل والبستنجي والبواب والحارس الليلي والسواق واضحوا أعضاءا لهم نفس حقوق التاريخيين أصحاب الانجازات الكبيرة ، وعليه كانت الحقبة التي توليتها كما يدعي الحواويط المقربون مني بأنها اجمل لحظات نهاية المؤسسة، طبعا وفزت بالتزكية دون انتخابات، فكرت في تغيير المنصب واكتساب مزيدا من الألقاب وما دامت الفرص سانحة فأنا انتهازي من الطراز الأول.
أما اجمل تكريس فهو اختياري لأكون شخصية كل العصور السياسية والفكرية الفلسفية والاجتماعية والتوعية والأنمائية والاكاديمية كشخص طلائعي مبادر، وإنني افكر خارج الصندوق، علما أنني من جماعة "عمار وعميرة" اذا وقف الناس وقفت وإذا جلسوا جلست، وانبل فعل في حياتي هو مطاردة القطط وكلاب الشوارع الشاردة بالحجارة ، والتفحيط بالكلام واحداث الضجيج على منهاج نقيق الضفادع،
واجمل فعل أراه هو قذف علبة فارغة من نافذة السيارة في وسط الشارع، وعليه قامت جهات عديدة بتكريمي ومنحي لقب" رجل النظافة الاول"، والأدهى أن رسام قد حور صورتي مع عامل نظافة.
في حفل تكريمي على منجزاتي الوظيفية وعنجهيتي و تعطيل مصالح الناس والابطاء في العمل ، تم تسليمي درع الموظف النموذجي.
واخر ما نلت من الشهادات "الدكتوراة الفخرية" والتي كلفتني حوالي خمسمائة دولار ، موسومة بتوقيع رئيس مجلس امناء جامعة وهمية، قدمها لي رجل يحمل شهادة دكتوراة في القانون والله أعلم.
تجرأت وسألته: لماذا اختار الدكتوراة في القانون؟
. اجاب يا صديقي: أكثر ما يصدق الناس أن هذا ما ينص عليه القانون .
وهو رجل معاد للحريات ، أزعج الحضور واصابهم الملل وهو يشرح عن نوط الحرية، وأسباب تقديمهم الوسام هو جرأتي في محاربة الفساد، وهو يعلم أنني أجبن من اذكر اسم البيض الفاسد، واشيد ببائع الخضار الذي يضع الفواكه الموجهة ويخفي السيئة أسفل العلبة، اعتبره وأردد مع الببغاوات انها شطارة.
في كل تاريخي التليد والذي اعتبر فيه نموذجا عظيما، وضعت لوحة في صدر مكتبي مكتوب عليها بالخط الكوفي الجميل، "حط رأسك بين الرؤوس" اهداني إياها منافق متمرس .
في طريقي لاعتلاء المنصة وتوزيع ابتساماتي المقيتة على وجوه سادة المنصة، وعريفة الحفل فتاة جميلة ترتدي الثوب المطرز يزيدها بهاءا ، تنشد اشعارا تتغنى بالأبطال واصعد مع وابل من التصفيق وفلاشات التصوير حتى شعرت أنني مثل كاظم الساهر وكنت على وشك أن اغني.
كان يشمل الوسام والنوط والدرع والشهادة وانا مخمور بلذة التكريم على كل الاشياء التي لم افعلها في حياتي.
تلقفتني قبل ذلك وسائل الإعلام والتلفزة والصحفيون وقالوا وكتبوا وبهرجوا .
وقفنا على منصة التكريم، أقسم رئيس لجنة التكريم باغلظ الايمان أنهم مقصرون وأنني استحق اكثر.
صمت الجمهور وتداعت حوامل المنصة وانهارت في حدث درامي، وانقلبنا جميعا فوق بعض .