زياد خداش في في مجموعته القصصية "الجراح تدل علينا"
اياد شماسنة – شاعر وروائي
أرسل لي الكاتب الصديق زياد خداش توقيعا في كتابه" الجراح تدل علينا " الصادر عن منشورات المتوسط ٢٠٢٣ .يقول ": جراحي أمامك، ضمدها بذائقتك الشاهقة" .
يعلم الكاتب" المختلف الشفاف" اننا كلما عرفنا ازددنا جراحا، وان المعرفة جرح في جسد الظلام، وأن الجرح كما يقول جلال الدين الرومي" " المكان الذي ينفذ منه الضوء". ومع اني لا أشك في اتساع ثقافة الكاتب الذي عرفته دون ان يعرفني قبل ٣٠ عاما وانا أخطو حرفي الأول في الكتابة على غير هدى ، لكني أعتقد أننا نؤمن معا بقول الأمام علي "اضرب بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب" وهذا ينطبق أبضا على الأفكار.
برشاقة رسام، يختزل الكاتب ٧٥ عاما من المعاناة الفلسطينية، وتجلياتها، ويكتب مجموعة قصصية توغل عميقا في الوعي ومن ثم تغوص في اللاوعي، في " محل ألعاب" يشد انتباهنا الى أعلى وأعلى حتى نكاد نصل، ثم يلقي مرساة حادة في قاع الوعي ليلفت انتباهنا الى الطفولة ، العاملة، القوية، التي تتوق الى طفولتها، وكأنه يقول، أو لعله يقول ان ظاهر الأشياء مزيف، واننا جميعا نمارس أدوارا بديلة مفروضة علينا بسبب ألف ظرف وظرف نتوق لتغييرها ولا نستطيع حتى الان، فالطفل عامل، والكاتب موظف، والمقاول وزير، والسفير اعلامي، والفوتوغرافي فدائي.
يتجلى فهم خداش العميق للحالة الإنسانية في شخصيات متعددة الأوجه تزخر بها قصه، يتحدى بها القيم السائدة ويواجه ظلام الروتين بحدة ورشاقة؛ مثل مهارة قناص. في "بكاء الأخوات الجميلات في الليل" و "لكنه لم يغادر"، يلامس خداش الإنسانية عميقا، ينبش الألم الصامت والصراخ المكبوت بألم الحاجة العاطفية والوجع النفسي. ومع ذلك، بين الألم والأمل، يجد السلوى في حضن البراءة ، مذكرا ايانا بصلابة روح الإنسان.
يتحدى أسلوب خداش التصنيف، يزاوج بمهارة بين عناصر السريالية والواقعية والرومانسية والوجودية في نسيج فريد يحمل توقيعه الخاص، توقيع "زياد خداش". ترقص كلماته بين عوالم العادي والميتافيزيقي، تاركة القراء في حالة من الذهول والتنوير. كل كلمة مختارة بعناية، وكل جملة رشيقة في لوحة تتغنى بجمال اللغة وعمق تجربة الإنسان.
في قلب أعمال زياد خداش ارتباطٌ عميقٌ جدا بفلسطين، من القرية الى المخيم الى المنفى الى المدينة،ذلك واضحٌ في الصور والرموز الغنية التي تتخلل سردياته. يرسم من خلال قصصه، لوحة حية للحياة الفلسطينية، يلتقط جوهر الأرض وشعبها بصدق لا يتزعزع. شخصياته تترنح مع القراء، تعكس تحديات الأفراد الذين يكافحون من أجل هويتهم وطموحاتهم.
زياد خداش، له من اسمه نصيب وافر جدا، فهو كثيرا ما جرح الروتين وخدش الملل والظلام، وهو الأستاذ والكاتب، وما أصعب هذا المزيج، المعلم الذي يطلب منه التربية والانضباط والالتزام بما هو داخل الصندوق، وبين المفكر المبدع الذي يحرض طلابه على الانصات لصوت في أعماق صخرة. يزعم. خداش انه يكتب نصا ، لكنه قناص ، يقتنص غفلتنا وبصطاد اللحظة، يقوم بوضعها في حدقات عيوننا بمهاره، ومرونة، في " رجال غرباء" يوجه حربة ابداعية للسردية العدوانية المضادة،