الثلاثاء 25/9/1446 هـ الموافق 25/03/2025 م الساعه (القدس) (غرينتش)
النزوح في الضفة الغربية أبعد من أزمة إنسانية....بقلم صفاء أبوشمسية

 في الأيام الأخيرة، انتشرت صور مأساوية لعائلات فلسطينية تفر من منازلها في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، وسط تصاعد التوترات الأمنية وعمليات الجيش الإسرائيلي. هذه المشاهد تعكس واقعًا أكثر تعقيدًا مما يبدو، إذ إنها ليست مجرد تداعيات لمواجهة عسكرية عابرة، بل جزء من سياق أوسع من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي طال أمده دون حلول جذرية.

تصاعد العنف وتداعياته الإنسانية

الضفة الغربية شهدت في الأشهر الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا، حيث كثف الجيش الإسرائيلي عملياته في مدن مثل جنين ونابلس وطولكرم، مستهدفًا عناصر مسلحة وشبكات تعتبرها إسرائيل تهديدًا أمنيًا. في المقابل، يرى الفلسطينيون أن هذه العمليات تؤدي إلى تدمير المنازل، واعتقالات جماعية، وتضييق على السكان المدنيين، ما يخلق بيئة تدفع العديد منهم إلى النزوح المؤقت أو حتى الدائم.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن هذه العمليات تتم في مخيمات تضم لاجئين فلسطينيين منذ عام 1948، أي أن هؤلاء السكان تعرضوا للنزوح في الماضي ويواجهون اليوم خطرًا جديدًا بفقدان مساكنهم. هذه الأزمة الإنسانية تستوجب معالجة عاجلة، ليس فقط من الجانب الإنساني، ولكن أيضًا من خلال البحث عن حلول سياسية تقلل من احتمالات تكرارها مستقبلاً.

السياسة الأمنية الإسرائيلية وأثرها

من المنظور الإسرائيلي، تشكل العمليات العسكرية في الضفة الغربية جزءًا من استراتيجيتها لمكافحة الجماعات المسلحة ومنع تنفيذ هجمات تستهدف المستوطنين أو الجيش. وترى إسرائيل أن تعزيز وجودها الأمني في بعض المناطق ضروري لحماية مواطنيها، خاصة في ظل تصاعد العمليات الفردية والهجمات المسلحة.

ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية، رغم فعاليتها الأمنية على المدى القصير، تطرح تساؤلات حول تداعياتها بعيدة المدى. فالتصعيد المستمر وما يرافقه من تدمير للبنية التحتية ونزوح السكان يؤدي إلى تعزيز مشاعر الغضب واليأس بين الفلسطينيين، مما قد يزيد من احتمالات استمرار المواجهة بدلاً من الحد منها.

دور السلطة الفلسطينية والتحديات الداخلية

في ظل هذا التصعيد، تواجه السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة في بسط سيطرتها الأمنية، حيث فقدت نفوذها في بعض المناطق، خاصة في ظل غياب الأفق السياسي الذي يجعل الكثير من الفلسطينيين يشعرون بالإحباط من دورها. هذا الفراغ يفتح المجال أمام جماعات مسلحة لملء هذا الدور، ما يعقد المشهد ويجعل التوصل إلى تهدئة أكثر صعوبة.

السلطة الفلسطينية بحاجة إلى استعادة ثقة الشارع الفلسطيني، وهذا لا يتحقق فقط من خلال الإجراءات الأمنية، بل أيضًا عبر تبني سياسات تعزز صمود المواطنين وتوفر لهم حلولًا عملية للأزمات المتكررة.

المجتمع الدولي والمسؤولية المشتركة

من غير الممكن النظر إلى هذه الأزمة بمعزل عن الدور الدولي. المجتمع الدولي، وخاصة الدول المؤثرة، لم ينجح حتى الآن في الدفع نحو مسار جاد لإنهاء الصراع أو على الأقل تخفيف حدته. بينما تصدر بعض الإدانات والبيانات، فإن غياب خطوات ملموسة مثل الضغط على جميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات أو تقديم مبادرات لحماية المدنيين يجعل هذه الجهود محدودة التأثير.

نحو حلول مستدامة

ما يجري في الضفة الغربية هو جزء من أزمة أوسع لا يمكن حلها عبر الحلول الأمنية وحدها. هناك حاجة ملحة إلى نهج متوازن يأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، يحترم حقوق الفلسطينيين في العيش بأمان دون تهديد دائم بالنزوح أو فقدان منازلهم.

المطلوب اليوم هو إعادة إحياء المسار السياسي، وتوفير ضمانات حقيقية للطرفين، وتشجيع مبادرات تقلل من التوتر بدلًا من تأجيجه. فلا يمكن لأي طرف تحقيق أمنه واستقراره على حساب الآخر، بل لا بد من حلول قائمة على التفاهمات بدلاً من المواجهات المستمرة التي لا تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة

لكن وفي ظل غياب أي مبادرات جدية، وعدم وجود ضغوط داخلية على الحكومة الإسرائيلية للتحرك نحو حل شامل، يظل التساؤل قائمًا: هل هناك رغبة إسرائيلية حقيقية في البحث عن حل سياسي للصراع، أم أن استراتيجية "إدارة الصراع" ستظل الخيار الوحيد؟

 

 

2025-02-16