السبت 27/10/1446 هـ الموافق 26/04/2025 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إيران بين التزامها النووي ومخاطر التصعيد....نجاح محمد علي

 
تواصل الجمهورية الإسلامية في إيران التزامها الدائم بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم الضغوط السياسية المتزايدة التي تمارسها بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وتسييس عمل الوكالة التي تغض الطرف عمداً عن ترسانة الكيان الصهيوني النووية .. 
ورغم أن التقارير الاستخباراتية الأميركية نفسها تؤكد أن إيران لا تسعى إلى تطوير سلاح نووي، إلا أن الضغوط لم تتوقف، بل إن هناك محاولات حثيثة لإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، في خطوة تنذر بتداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي والدولي.

إيران، التي التزمت دائماً بمبادئ العزة والحكمة والمصلحة في قراراتها الاستراتيجية، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الاستهداف الممنهج. فمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تعدّ إيران طرفاً فيها، تنص صراحة في مادتها العاشرة على حق أي دولة عضو بالانسحاب إذا رأت أن مصالحها الوطنية العليا معرضة للخطر. هذا ما قامت به كوريا الشمالية عام 2003 عندما وجدت أن المعاهدة  لم تعد تخدم أمنها القومي، وإذا استمرت الضغوط الغربية بنفس النهج التصعيدي، فإن إيران قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات مشابهة لحماية سيادتها وحقوقها المشروعة.

الولايات المتحدة، التي يقودها الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية، تواصل تصعيدها ضد طهران عبر فرض المزيد من العقوبات القسرية، في محاولة لإجبارها على تقديم تنازلات غير مقبولة. لكن التجربة أثبتت أن الجمهورية الإسلامية ليست من الدول التي يمكن ابتزازها بالحصار الاقتصادي أو الضغط السياسي وحتى التهديد العسكري، وهو ما يدركه كبار المسؤولين في واشنطن. 

التصريحات الأخيرة لمديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد أمام مجلس الشيوخ، والتي أكدت فيها أن إيران لا تصنع سلاحًا نوويًا، تسقط الذرائع التي يتم تسويقها لشيطنة برنامجها النووي السلمي، بينما يبقى الكيان الصهيوني، الذي يمتلك ترسانة نووية خارج أي رقابة دولية، بعيدًا عن أي مساءلة.

 بوابة التصعيد
في ظل استمرار التصعيد الغربي ضد إيران، يبرز العراق كميدان آخر تسعى واشنطن لاستغلاله في أجندتها العدوانية. الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقواعد قتالية داخل الأراضي العراقية، تحاول استخدام بغداد كمنصة لاستهداف الجمهورية الإسلامية، مستغلة الفوضى السياسية والضغوط الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. لكن إيران، التي لطالما أكدت احترامها الكامل لسيادة العراق، تحذر من العواقب الوخيمة لأي انجرار خلف المخططات الأميركية، خاصة في ظل تصاعد التحريض الإعلامي والتضليل الممنهج لتأليب الرأي العام ضد طهران.

وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أوضح في اتصالاته الأخيرة مع المسؤولين العراقيين أن الجمهورية الإسلامية لن تقبل بأن يتحول العراق إلى أداة بيد واشنطن، مؤكداً أن استقرار العراق هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة. ومع ذلك، فإن استمرار الوجود العسكري الأميركي في بلاد الرافدين، إلى جانب حالة “اللاحرب واللاسلم” الناتجة عن بقاء القرار الدولي 598 دون أن يتحول إلى اتفاق سلام دائم، يشكلان معاً أرضية خصبة لأي تصعيد محتمل.

فالقرار 598، الذي أوقف الحرب العراقية الإيرانية، لم يترجم حتى الآن إلى معاهدة سلام نهائية، مما يجعل العراق في وضع سياسي هش يمكن استغلاله من قبل القوى الخارجية. ومع استمرار التحريض الإعلامي ضد إيران، ومحاولات تصويرها كتهديد إقليمي، يصبح من الواضح أن هناك جهات تسعى لإشعال فتنة جديدة في المنطقة، وهو ما لن تسمح به الجمهورية الإسلامية بأي حال من الأحوال.

التصعيد في سوريا

في الوقت الذي تواصل فيه طهران سياستها القائمة على ضبط النفس والتعاون الدبلوماسي، يستغل الكيان الصهيوني الفوضى في سوريا لزيادة وتيرة اعتداءاته، سواء عبر شن هجمات عسكرية أو دعم الجماعات المسلحة التي تعمل لتحقيق أجنداته في المنطقة. سقوط النظام السوري ورحيل بشار الأسد إلى روسيا أدى إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي، حيث بات أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) هو الحاكم الفعلي لسوريا من دمشق. هذه الفوضى المستمرة توفر بيئة خصبة لتدخلات خارجية خطيرة، وخاصة من قبل الاحتلال الصهيوني، الذي يسعى لفرض وقائع جديدة تخدم مصالحه الاستراتيجية نحو حلمه  الزائف"من النيل إلى الفرات" .

إيران، التي لم تتخل يوماً عن دعم قوى المقاومة، تدرك أن الهدف من هذا التصعيد هو إضعاف موقفها الإقليمي ومنعها من مواصلة دعم القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين المظلومين . لكن كما أثبتت الأحداث السابقة، فإن الجمهورية الإسلامية لا تتعامل مع هذه التحديات بردود فعل متسرعة، بل وفق استراتيجيات مدروسة تضمن الحفاظ على توازن الردع دون الانجرار إلى مواجهات غير محسوبة العواقب.

و رغم التحديات والضغوط، تظل إيران ملتزمة بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق ما تمليه القوانين والاتفاقيات الدولية. لكن استمرار بعض الأطراف الغربية في تسييس هذا الملف، والسعي لإعادته إلى مجلس الأمن، يهدد بخلق أزمة جديدة قد تؤدي إلى تداعيات لا تحمد عقباها. فقد أوضحت  الجمهورية الإسلامية مراراً أنها لن تتفاوض تحت التهديد، وأن أي محاولات لفرض شروط غير عادلة عليها ستُقابل بردود فعل مناسبة.

التصعيد الأميركي الأخير، رغم التراجع الواضح عن التهديدات والذي ظهر من مبعوث ترامب للشرق الأوسط الذي أعرب عن رغبته بزيارة طهران ، يعكس نوايا عدوانية لا تهدف إلى الحوار بل إلى فرض سياسة الأمر الواقع. لكن الجمهورية الإسلامية، التي واجهت سابقًا أقسى أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية، أثبتت أن صمودها ليس تكتيكًا مؤقتًا، بل هو نهج استراتيجي مبني على إدراك واضح لموازين القوى في المنطقة.

الخيارات أمام طهران عديدة، وإذا استمر الغرب في تجاهل حقوقها، فإنها قد تعيد النظر في التزاماتها النووية، تمامًا كما فعلت كوريا الشمالية عندما وجدت أن معاهدة حظر الانتشار النووي لم تعد تلبي مصالحها. إيران لا تسعى إلى مواجهة، لكنها في الوقت نفسه لن ترضخ للابتزاز، ولن تسمح لأي قوة بفرض إرادتها عليها.

أما العراق، فعليه أن يكون حذرًا من الوقوع في الفخ الأميركي، فالتجارب السابقة أثبتت أن واشنطن لا تبحث عن استقرار المنطقة، بل عن استمرار الفوضى بما يخدم أجنداتها. على بغداد أن تحافظ على استقلالية قرارها، وألا تسمح بأن تُستخدم كأداة لضرب طهران، لأن أي تصعيد في هذا الاتجاه لن يكون في مصلحة أحد.

و في العموم ، يمكن القول إن إيران ماضية في طريقها، وقراراتها لن تتأثر بحملات التضليل أو العقوبات الجائرة. التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيستمر، لكن في إطار يحفظ الحقوق الإيرانية، وليس وفق إملاءات خارجية تهدف إلى تقويض سيادتها. أما التهديدات بإعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، فهي لن تغير من موقف طهران، بل قد تدفعها إلى خيارات أكثر جذرية، قد يكون أحدها إعادة النظر في معاهدة حظر الانتشار النووي نفسها.

نعم ، تمر المنطقة بمرحلة حساسة، لكن الرهانات الأميركية على تغيير المعادلات بفرض المزيد من الضغوط على إيران لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد. فإيران ليست دولة يمكن استهدافها دون رد. و القرار بيد الغرب: إما العودة إلى طاولة المفاوضات بجدية، أو مواجهة واقع جديد تكون فيه الجمهورية الإسلامية صاحبة الكلمة العليا.
وهذا الميدان ياحميدان !

2025-03-25