في لحظة فارقة من مسار الصراع السوري، تأتي الدعوى القضائية التي رفعتها منظمات حقوقية ضد أحمد حسين الشرع (أبو محمد الجولاني) أمام القضاء الفرنسي، بتهم الإبادة وجرائم الحرب، لتفتح بابًا مهمًا أمام السوريين والعالم: باب العدالة الدولية التي طال انتظارها. وإن كان هذا المسار متأخرًا، إلا أنه يُعيد الاعتبار لأصوات الضحايا، ويؤكّد أن الإفلات من العقاب لم يعد قدرًا محتومًا، حتى في أكثر النزاعات تعقيدًا.
في هذا السياق، يُثمِّن حزب سوريا للجميع، بقيادة الدكتور محمد عزت خطاب، هذه الخطوة القانونية، ويعتبرها منطلقًا ضروريًا لبناء مسار عدالة شاملة تطال كل من تلطخت يداه بدماء السوريين، دون استثناء أو انتقائية.
1. من قائد ميليشيا إلى متهم بالإبادة: ماذا تعني هذه المحاكمة؟
لم يكن الجولاني مجرد شخصية جدلية في الحرب السورية، بل رمزًا لمشروع مسلح قام على استغلال شعارات الثورة وتحويلها إلى أدوات للقتل والتطهير الطائفي، لا سيما في الساحل السوري ومناطق الأقليات.
• سجلّ دموي موثّق: وثّقت منظمات حقوقية، من بينها هيئات تابعة لحزب سوريا للجميع، جرائم مروعة ارتكبتها فصائل يقودها الجولاني، شملت القتل على الهوية، الإعدامات الميدانية، وتهجير المدنيين من أبناء الأقليات الدينية.
• القضاء الدولي ضرورة وليس خيارًا: حين تغيب العدالة المحلية أو تُعطَّل بفعل الاستقطاب، فإن القضاء الدولي يُصبح ضرورة أخلاقية وسياسية. محاكمة الجولاني، وإن جاءت متأخرة، تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.
2. حزب سوريا للجميع: رؤية للعدالة تتجاوز الثأر
منذ تأسيسه عام 2009، دعا حزب سوريا للجميع إلى محاكمة جميع من تورط في جرائم بحق الشعب السوري، سواء أكانوا من النظام أو من الجماعات المسلحة. لم يتورط الحزب في دعم أي طرف مسلح، ورفض التمويل الخارجي المشبوه، ساعيًا لبناء مشروع وطني اقتصادي – اجتماعي يضمن العدالة والمصالحة.
• حماية الأقليات واقعًا لا شعارًا: وقف الحزب في مواجهة الانتهاكات بحق الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية، داعيًا إلى احترام المواطنة كأساس للهوية السورية، بعيدًا عن الطائفية السياسية التي استثمر فيها الجميع، من النظام إلى المسلحين.
• برنامج وطني لإعادة الإعمار: طرح الحزب خطة تنموية شاملة، تعطي الأولوية للمناطق المنكوبة والمهمشة، وتقوم على الشفافية والمحاسبة لا على المحاصصة.
3. المحاكمة الفرنسية: سؤال العدالة أم أداة سياسية؟
صحيح أن المسار القانوني الفرنسي له أهميته، لكن من الضروري فهم سياقه:
• لماذا الآن؟: يُثير التوقيت تساؤلات، خصوصًا أن الغرب، بما في ذلك بعض دوائره الأمنية، دعم فصائل إسلامية متطرفة في مرحلة ما. إلا أن المحاكمة قد تكون محاولة لتصحيح مسار سياسات سابقة خاطئة.
• العدالة الانتقائية خطرٌ على الاستقرار: الحزب يؤكد أن الاقتصار على محاكمة الجولاني دون النظر في جرائم النظام أو فصائل أخرى، قد يُضعف ثقة السوريين بالقضاء الدولي. العدالة يجب أن تكون شاملة أو لا تكون.
4. لماذا يدعم الحزب هذه المحاكمة؟
• إدانة للفكر التكفيري: تُظهر المحاكمة أن المشروع الجهادي الذي تبناه الجولاني لا يُمثل الثورة، بل أساء لها ولشعبها.
• محاسبة تؤسس للمصالحة: العدالة لا تُقام على النسيان، بل على المحاسبة، وهذه الدعوى تُمهّد لحوار وطني يستند إلى المسؤولية لا التبرير.
• فضح التواطؤ الدولي: من خلال سير المحاكمة، ستنكشف الكثير من تفاصيل الدعم الغربي الملتبس، ما يفرض على القوى الدولية مسؤولية أخلاقية في دعم إعادة الإعمار والمصالحة.
5. سوريا تحتاج عدالة انتقالية لا انتقائية
• محاكمة الجولاني لا تعني تبرئة النظام: من ارتكب المجازر باسم الدولة أو باسم “الثورة” يجب أن يُحاسب. هذا هو موقف الحزب الثابت.
• دور الحزب كجسر وطني: عبر خطاب جامع، يسعى الحزب إلى بلورة مشروع سياسي يُنهي النزاع لا عبر استنساخ النظام السابق أو إحياء المشاريع الجهادية، بل ببناء دولة القانون.
خطوة أولى نحو عدالة أكبر
إن محاكمة الجولاني في فرنسا ليست سوى البداية، لكنها بداية مهمة. إنها تؤكد أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة، مهما تأخرت، يمكن أن تُحقّق. يبقى التحدي في تعميم هذا النموذج، ليطال كل من ساهم في مآسي سوريا.
في هذا المشهد المعقَّد، يبرز حزب سوريا للجميع كجهة سياسية مدنية تدعو إلى عدالة شاملة، لا تعيد إنتاج الطائفية، بل تحمي السوريين جميعًا من مشاريع الهيمنة، أياً كان مصدرها.
لأن سوريا للجميع… فلا مكان للطغاة ولا للمتطرفين فيها.