(الشرائح الشبابية الممتلئة حماسا وغضباً والحالمة بالمجتمع المدني الديمقراطي الذي تسوده الحرية والعدالة للاسف الكبير وجدت نفسها في احضان انظمة واحزاب تحاول انتاج الاستبداد لكن بصيغ اخرى وتجسد هذا في جميع الدول التي شهدت الربيع بشكل صارخ.)
مرّ عامان على ما بات يطلق عليه بالربيع العربيّ والذّي يحلو للبعض ان يسميه بالربيع المخطوف لكون التضحيات الجسيمة لهؤلا ءالشباب اصبحت في خبر كان. لكن يبقى التساؤل هو: الى اين وصلت هذه الحركات الاحتجاجية الشبابية؟ وتكاد الاجابات تتفق على حقيقة واحدة هي انّ جميع الثورات في كافة البلدان العربية تعيش في مأزق حقيقي لاسباب عديدة اهمها انها ثورات بلا ابطال او فلاسفة. وانّ قادتها من الشباب لم يكونوا يتمتعوا بأرضية سياسية او فكرية تؤهلهم للتأثير في الجماهير.
وبالمقارنة بين الثورات التي انطلقت في اوروبا فقد سبقتها ثورات فكرية وفلسفية بينما كانت الثورات العربية تفتقد الى التأسيس الايديولوجي والفكري وهو ما لا يمكن الاستهانة به كأحد العوامل في انحرافها عن اهدافها.
ليس ثمة من يماري في انّ الانتفاضات او الحركات الاحتجاجات العربية الشبابية كانت تنطوي على مطالب بالتغيير والاصلاح من بينها اقامة المجتمع المدني والانفتاح على ما يجري في العالم وضمان الحريات بمختلف اشكالها والقضاء على كافة صور الفساد. انّ احتجاجات مصر وليبيا وتونس وسورية هي باختصار رفض لسياسات انظمتها القمعية وما تعيشه من ازمات اجتماعية خانقة وتفاقم للبؤس وحكم دكتاتوري فاسد.
كما لا يمكن لاحد ان يقلل من حجم البطالة المتفشية في اوساط الشباب التي بلغت في بعض الدول العربية الى نسب فاقت الثلاثين في المئة وآثارها الخطيرة على مستقبل الشباب اذ يبقى هؤلاء محرومون من تكوين الاسر والعيش الكريم.
لكنّ هذه الشرائح الشبابية الممتلئة حماسا وغضباً والحالمة بالمجتمع المدني الديمقراطي الذي تسوده الحرية والعدالة للاسف الكبير وجدت نفسها في احضان انظمة واحزاب تحاول انتاج الاستبداد لكن بصيغ اخرى وتجسد هذا في جميع الدول التي شهدت الربيع بشكل صارخ. وكانت الصدمة مروعة للغاية. ذلك انّ نظاما كالاخوان المسلمين رغم تضحياتهم على مدى نصف قرن ومعاناتهم الاليمة مع الانظمة السالفة الاّ انهم يعيدون النظام القديم لكن تحت عناوين جديدة منتهزين ما تعيشه الاحزاب الاخرى من شتات وتمزق وما يعيشه الشباب من فراغ فكري. وبصرف النظر عما يشاع من كون الاخوان المسلمين قد عقدوا الصفقات السرية مع هذه الدولة او تلك او التخطيط مع قوى خارجية للوصول الى السلطة فانّ المشاهد اليوم في الواقع المصري هو انّ القوى الشبابية خرجوا من المولد بلا حمّص كما يقال برغم ما بذله الشباب الذّين نسينا اسماؤهم من الدماء الزكية. انّ الذي لم يخطر في مخيلة شباب مصر احدى دول (الربيع العربيّ) هو اخونة الدولة بمعنى تحويل مؤسساتها بيد قيادات اخوانية. بل لم يكن هذا من الطموحات التي سعوا لتحقيقها. كانت احلام مفجري ثورة الخامس والعشرين من يناير هو بناء نظام سياسي وديمقراطيّ وليس قيام دولة اسلامية لسبب بسيط لم يكن غائبا عن الاذهان هو انّ الدولة المسلمة موجودة في مصر بل متجذرة فيها.
كل من زار مصر واقترب من انسانها البسيط فإنه يخرج بانطباع لا يخالطه الشك انّ المصري يمارس شعائره بعفوية وصدق وليس بحاجة الى من يرشده اليها. وكما اشار احد ابناء مصر انه يذهب الى الصلاة بمحض ارادته وحريته ولم يكن مندفعا لممارسة شعائره عن اكراه.. أو خوف من احد.. انه الايمان الحقيقي الصادق النابع من القلب وليس استعراضا او تفاخراً أو خوفاً.
اننا نعتقد انّ الجمهور المصري لن يسمح لأحد ان يستغل تضحياته او اعادة الزمن الى ما قبل الانتفاضة ولم يعد يقبل تكرار ما كان سائداً ابّان عهود الانظمة السالفة.
البلاد