السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المرأة والكتابة في مجموعة 'يوميات كاتب يدعى x'فراس حج محمد...رائد الحواري

 أعتقد هذه مجموعة النصوص/السرد الرابعة التي يصدرها الكاتب والشاعر "فراس حج محمد" فبعد "رسائل إلى شهرزاد، وطقوس القهوة" تأتي هذه المجموعة، لا أحد ينكر بأن الكاتب من خلال هذه الكتب أستطاع أن يضع لنفسه خطا متميزا في الكتابة، فهو يكتب بطريقة تتناسب وطبيعة عصر النت والسرعة، فهو يعمل من خلال ما يقدمه من شكل/اسلوب كتابة أن يكسب أكبر عدد من الجمهور، أن يوصل فكرته ولغته وطريقته في الكتابة إلى مجاميع متنوعة ومتباينة، يعمل على أن يكون مؤثرا وفاعلا فيها، وهنا ما يحسب "لفراس حج محمد" أنه يكتب بطريقته، فلا يقلد احدا في كتاباته، ويعمل لأن يكون كاتبا فريدا بهذا الشكل من النصوص/السرد، من هنا نجد تأثره بالقرآن الكريم الذي يميز كافة كتاباته إن كانت نصوصا أم قصائد شعرية، فهي بمجملها  لا تخلو من حضور النص القرآني وأثره فيها.

هذه المجموعة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، يوميات الكاتب x، ورسائل، ونصوص أخرى متعلقة بالمجتمع والمسائل العامة والتعليم والكتاب، ما يلفت النظر في هذه المجوعة ـ كما هو الحال في سابقاتها ـ حضور المرأة وتأثيرها وأثرها على فكر الكاتب، فهي المحرك والباعث والمحفز على خوض غمار هذه التجربة.

ويضيف إليها هاجس الكتابة، دوافعها، أثرها عليه، وما يرده منها، وكيف يريد أن يكون هو ونحن القراء له، ونجد هذه الهاجس يأخذ أحيانا إلى ربطه بالمرأة، بمعنى أن الكاتب يجعل الإثارة التي تتركها المرأة عليه موازية للأثر الذي تتركه الكتابة، وهذا الربط يخدم الفكرة التي يريد طرحها، ومن ثم يجعلنا نتقدم أكثر منها، لكي نصل إلى النشوة التي أوصلت "فراس حج محمد" إلى هذا الإبداع والخصوصية.

وما يميز هذه المجموعة وجود بعض النصوص مطروحة بطريقة أقرب إلى الفلسفة، إلى الفكر المجرد، وهي من أهم الأشكال التي تثير المتلقي وتجعله يحترم هذه التجربة، ونجد أيضا اللغة المحكية الفلسطينية واضحة في المجموعة، وكذلك يسرد لنا شيئا من الامثال الشعبية المتداولة، كلها هذا جعل المجموعة أقرب إلى وليمة فكرية فيها كل أصناف الغذاء والطعام، من المقبلات إلى السوائل والمشروبات، وإلى الفاكهة والحلويات، وأيضا يضاف إلى كل هذا الجو الهادئ والموسيقى الناعمة التي تجعلنا نستمتع أكثر بهذا الغذاء.

المرأة

أنا مع أن تكون المرأة حاضرة وفاعلة في كل ما نقوم به، فهي من يخلصنا من الكآبة التي تتسم بها مجمل حياتنا، فهناك ما يقارب عشرين نصا كانت المرأة هي المركز/المؤثر فيما كتب، وهذا يشير إلى المساحة التي تحتلها المرأة ـ في العقل الباطن ـ عند الكاتب، لن نأخذ كل الشواهد التي تناولها الكاتب عن تأثره بالمرأة، لكننا سنأخذ ذروة هذا التأثير والذي جاء بهذا الشكل، "هو أنا أنت، وأنا الآن صناعة خاصة برسم قلبك الذي احتوى وجعي وأثار بصيرة الرؤى التائهة، فلا تبرئي من دمائي ولا تتبرئي مني، ولا تكوني ذلك الغول الفكرة الذي يغتال ما تبقى من رجل لا يكون إلا بك وحدك، فلنصارع الغول معا، لعلنا نظفر بالسلامة" ص31، ما يطرحه الكاتب هنا لا يعتبر المرأة شريكا له وحسب، بل هو ليس له أي فاعليه، أي تأثير، أي رجولة بدونها، فقد اشترط/ربط رجولته بالمرأة، فهو بدونها لا شيء، غير موجود.

وما يطلبها منها لم يكن فعل أمر، بل جاء بطريقة التوسل، طلب العطف، المساعدة، من هنا كانت المرأة هي بمثابة السيد والرجل بمثابة العبد، الضعيف الذي يستجدي من سيده الرحمة والمساعدة والعفو.

ولم تكن المرأة الحبيبة فقط هي من يحرك/يدفع الكاتب نحو الابداع بل أيضا تحدث عهنا كأم، فكتب ثلاثة نصوص عن الأم، وهو يعترف بأثر أمه عليه وعلى تركيبته النفسية، فيقول عنها: " ... وأنا ما زلت ابن الأربعين الباحث عن مرضعه،  لأنني لم أشبع من ثدي أمي وأنا صغير، فقد فطمتني عن الرضاعة صدرها صغيرا!، صغيرا، بقيت كما أنا" ص55، وكأنه من وراء هذا الكلام يرادنا أن نبرر له تعلقه بالأنثى،  ولماذا يتمسك بها إلى أن حد التوحد معها، فبدونها لا يكون هو.

ونجد نصا كاملا عن الأم "عن الرز والبرغل وأشياء أخرى" يستحضر أمه فيها، وهنا وصفها لنا بطريقة الأم لفلاحة المكافحة في سبيل ابناءها: "أمي كانت تحب صناعة الأكل، ولم تكن تأكل كثيرا، كانت تجالد الفقر حد المقاومة الشرسة، هزمته مرات عدة، وبقيت تتحلى بذاكرتها الخصبة وصوتها الشجي الشهي!" ص 78، وتحدث في "الرسالة رقم8" عن أمه بتفاصيل دقيقة، وفي "هذا الذي قد يغضب أمي"  إذن الكاتب لم يهمل الأم رغم تفوق حضور المرأة/الحبيبة/المشتهاة في الكتاب.

المرأة والكتابة

يجمع الكاتب في بعض النصوص ما بين الامرأة والكتابة، حتى أنه في النص "الرسلة رقم 7" فيقدم لنا هذا الاندماج بينهما: "أحتاجك وأنا أعالج القلم في لحظة شبقه المحموم، وهو يفض بكارة أوراقه استعدادا لوصالك" ص57، بهذا الدمج أستطاع أن يقدم لنا صورة مركبة، فنية، تظهر لنا مكامن الكاتب الداخلية وما يحمله ـ في العقل الباطن ـ من تطرف العلاقة التي يريدها مع المرأة، فهي هنا ليست للحب الصوري العذري، بل يريدها كجسد، يلهب غريزته ويصوب فيه شهوته.

ويقدم لنا الكاتب شكل آخر من الدمج بين المرأة والكتابة بهذا الطرح: "معك تفيأت ظلالك بفكرة الكتاب، فكنت الكتاب الذي تكاملت فكرته وتعشبت وتشابكت معانيه وتبلجت حروفه ضيائك فيه" ص48، ما يحسب على هذا الشكل من الطرح، أن الكاتب قدم للمتلقي شيء مرغوب ـ المرأة ـ وأضاف إليه شيء غير محبب/متروك/مهجور ـ الكتاب ـ بهذا يدفع بالمتلقي لكي يبحث عن هذا المجهور/المتروك، فليس من المنطق أن يقرن شيء مرغوب بشيء مهجور، مما يجعله يبحث/يفكر به لكي يتعرف عليه ويجد ما فيه.

اللغة المحكية

هناك نصان كتبا بمجملهما باللغة المحكية، أحدهما جاء بتسمية "ذات لقاء في المدينة رسالة شفوية حادة" وما يميز هذا النص أنه  يقدم صورة المرأة الجاهلة والمتخلفة، التي تدعي الثقافة، فهي تحمل ثقافة ضحلة وفي ذات الوقت سلوكها ينم عن تخافها وانتهازيتها، وأعتقد بأن الكاتب تعمد أن يكون تلك الجاهلة هي المتكلم شبه الوحيد في النص، لكي يعريها مما تدعي حمله من ثقافة ومعرفة، "..كتبك اللي قال ألفتها فيي خليها إلك" ص71، النص بغالبته على هذا الشكل، وهذا التقديم يعد مثاليا، حيث يتواقف/ينسجم فيه الشكل مع الفكرة المطروحة.

ومن اللغة المحكية وما تحمله من أمثال شعبية قدم لنا هذه منها: " قتيل الدية ما بنبكى عليه" ، "بطيش على شبر مي"، ص70، "المشغول لا يشغل" ص92، وهذه الأمثال تشير بطريقة غير مباشرة إلى جغرافية الكاتب والحدث.

القرآن الكريم

 "فراس حج محمد" يستحضر القرآن الكريم في كتاباته بطريقة ألا وعي، فيقدمها لنا وكأنها جاءت هكذا، دون قصد، دون تكليف، وهنا تكم أهمية ما يكتبه، فلا نجد الإقحام في النص ولا الفرض أو الواجب، " فالنسمة الخجولة تداعب أعطاف الشجر وتهز الثمر، فيساقط ردبا جنيا" ص50، "لا تستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير" ص51، "وأنا ما زلت أصرخ في وادي غير ذي زرع في أطراف بيت شعر مدنس" ص55، "...يهتفون بالصراخ، يسيرون وعدتهم وعتادهم بضاعة مزجاة" ص62، "ما رأيكم؟ ها تشبه (تفو عليك) (أف لكم ولما تعبدون)" ص72، "وتموت كل المعاني وتصبح نسيا منسيا" ص88، إذا تأملنا كل في كل من تقدم نجد استحضار النص القرآني جاء بشكل عادي، وخدم النص والفكرة وأعطاه سمة جمالية وفنية.

الفكر

في نص "عندما حاورني ظلي"  نجد بعد فكريا، يكاد أن يصل إلى الفلسفة فيما يطرحه الكاتب، فهو يستخدم الحوار بينه وبين شخص آخر مجهول، يمثل صحفي أو شيء من هذا القبيل، "لماذا أصبحت الرواية أهم من الشعر"

ليست أهم ولكنها تنتشر انتشار النار في الهشيم، فغطت سحبها السوداء  قمر الشعر.

ـ أيهما تفضل أن تقرأ: الشعر أم الرواية؟

أحب أن أقرأ ذاتي في كل كتاب شعر ورواية.

ما الحدود الفاصلة بين الشعري والروائي؟

هو الحد الفاصل بين شفك الأيمن والأيسر" ص105،  بهذا الحوار المسرحي أستطاع الكاتب أن يقدم فكرته عن الشعر والرواية، وهي أفكار تبين عمق المعرفة والتحليل الذي وصل إليه الكاتب.

 ننوه إلى أن الكاتب قد تناول مدينة نابلس في كتابة، وهذا أمر جيد، لكن المتتبع نصوص هذا كتاب وما سبقها من كتب، يجد شح تناول الطبيعة، رغم أن الكاتب يعيش في قرية ريفية، من هنا نقول ـ من باب الاقتراح ـ أن الكاتب يستطيع أن يستفيد من مخزون الطبيعة التي يعيش فيها، خاصة ان الريف الفلسطيني مميز بوجود كافة فصول السنة فيه، مما يعطي تنوعا جماليا، تطفي على الإنسان الهدوء والسكينة والتأمل، كما هو الحال بالمرأة، من هنا يكمن أن تكون الطبيعة الريفة منفذ آخر للشاعر كما هو حال المرأة والكتابة، لكن عليه أن يتقدم منها لكي يأخذ طاقة ابداعية اضافية.

الكتاب من منشورات الرقيمة، القدس، فلسطين، الطبعة الأولى 2016

 

   

2016-01-01