الإثنين 5/11/1445 هـ الموافق 13/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في ذكرى رحيل فارس المؤرخين العرب....يسرا محمد سلامة

    تُقدم مايا دياب برنامجًا على شاشة إحدى الفضائيات العربية بعنوان "إسأل العرب"، وهو برنامج مهم؛ لمعرفة آراء العرب وتوجهاتهم الفكرية والثقافية، وتنوعها، وكان من ضمن أسئلة البرنامج سؤال عن: أى مادة يستفيد منها الطلاب أكثر في حياتهم العملية؟ وكان الاختيار بين (التاريخ – الثقافة الدينية – الرياضيات – العلوم)، وقتها اخترت بدون تفكير التاريخ بالطبع، وتوقعت بشكلٍ جازم أن تكون نسبة الاختيار الخاصة بالتاريخ كبيرة؛ وذلك لما يُمثله من أهمية كبرى في صياغة حياة الشعوب، لكنَّ المفاجأة كانت في حصوله على نسبة 7% فقط!!.

    دخلت قسم التاريخ وأنا مُقتنعة تمامًا بأهميته في التحكم بمُجريات الأحداث التي تدور رُحاها من حولنا، لذا آثرت تعلمه أكثر لفهم ما يحدث من حولي، وكانت أول مادة دُرست لي "دراسات في تاريخ العرب الحديث – الشرق العربي من الفتح العثماني حتى نهاية القرن الثامن عشر"، من تأليف العالم الجليل المؤرخ القدير الراحل الأستاذ الدكتور عمر عبد العزيز عمر، مادة دسمة علميًا وفكريًا، لكنها سلسة في مضمونها وتفاصيلها الكثيرة المُمتعة، تلك المادة تحديدًا جعلتني أتأكد من أهمية التاريخ في حياتنا، وضرورة وجوب دراسته، فقد تناول الكتاب بشئٍ من التفصيل مراحل التاريخ العربي الحديث، وهو تناول لم يَنل العناية الكاملة من الباحثين العرب، فقد ركز أستاذي العزيز على بحث أحوال المشرق العربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال تلك الفترة، داخل إطار النظام العثماني.
    جاءت أهمية الكتاب من، انصراف الباحثين إلى دراسة تاريخ العرب بدايةً من القرن التاسع عشر؛ لأنه كان مرحلة مُهمة من مراحل التطور الإداري والاجتماعي، وبداية الاحتكاك بالفكر الغربي منذ أنْ قام مُحمد علي بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج، غير أنَّ تلك النظرة تكمن وراءها خطورة إهمال تطور واستمرار حركة التاريخ العربي، إذ لا يستطيع أى باحث فهم التطور الذي حدث في القرن التاسع عشر دون أنْ يدرس بالتفصيل أحوال المجتمع التقليدي وتقلباته السياسية منذ القرن السادس عشر، كما أنه لا يمكن لأى باحث دراسة التاريخ العربي مُنعزلاً عن تاريخ الدولة العثمانية، فكلاهما مُرتبط ارتباطًا وثيقًا لا يمكن فَصله.
    فكرة ربط الماضي بالحاضر لفهم المستقبل، فكرة تعايشت معها يوميًا من خلال دراستي للتاريخ، وسأظل أتذكر دومًا السبب الذي جعلني أؤمن بتلك الفكرة إيمانًا يقينيًا لا يعتريه الشك، إنه أستاذي الأعز والدي وقدوتي العالم الجليل، المؤرخ الراحل عن عالمنا بجسده فقط، لكنه معنا بفكره وبما قدمه  لطلابه المنتشرين في ربوع وطننا العربي، الأستاذ الدكتور عمر عبد العزيز عمر، ومادته الرائعة "دراسات في تاريخ العرب الحديث"، فكيف للعرب أنْ لا يختاروك أيها التاريخ، وأنت محظوظٌ بمثل هؤلاء العظماء الذين كانت كتاباتهم بمثابة الإلهام لقادة كثيرين وزعماء أكثر قرؤوا فيك ليُفيدوا حاضرهم، ويَخطون نحو المستقبل بشعوبهم بخطواتٍ مُفعمة بالأمل والثقة، أو بخطواتٍ حَذرة خوفًا من تكرار الخطأ. 

2016-03-15