السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عيدنا عودتنا....مهند طلال الاخرس

الو .. سلامات خالتي ام العز -اهلا وسهلا نور موجود.. -لا والله، بتعرفي وين بلاقيه خالتي؟ -والعلم عندالله انه عند الحلاق... منتا عارف الليلة ليلة عيد، وهاظ صاحبك بفطنش يحلق شعراته الاّ آخر وقت. ماشي خالتي.. سلمتِ ودمتِ، وكل سنة وانت سالمة. -وانت سالم ومن العايدين ان شاء الله. وما هي الا ساعة حتى التحقت بنور عند الحلاق، كانت جملة "والعلم عندالله انه عند الحلاق" تعني شيئا واحدا؛ ان صديقي ورفيقي جاهز للمهمة وهو بانتظاري في احد الخيارين؛ صالون الحلاق رياض او بدران. قادتني قدماي نحو الخيار الاول، صالون رياض. ذلك الصالون القابع على مفرق الطرق الرئيسي في المخيم، والرابط بين جامع القدس وجامع نابلس، وعند مثلث حارة ابو السيد تماما، كان نور في الانتظار يمارس عادته التي ادمنها كثير من ابناء جيلنا، تمضية ما امكن من ليلة العيد مجتمعين يتسامرون في كل صالونات الحلاقة في المخيم، كان المخيم فقيرا من كل وسائل الترفيه! لم يكن امام شباب المخيم إلاّ صالونات الحلاقة؛ يلتجؤون اليها لتمضية الوقت، والولوج الى عالم الشباب واهتماماتهم، في محاولة لاستراق شيء من وقت الفرح والشعور بحلول العيد. كان شباب المخيم يمضون الوقت بالتسامر والحديث ومشاهدة التلفاز وشرب القهوة والتدخين بنهم، الى ان ياتي دور كل واحد منهم في الحلاقة، فيتزين ويحلق شعر راسه والذقن ويتعطر بالكالونيا كدليل على مكان سهرته وتواجدهم، ثم يمضي كل في سبيله. وصلت الصالون، لكني لم ادخل اليه. سرت من امامه ذهابا باتجاه حارة ابو السيد حتى طلوع عرب عين الديوك والعرايشة. لم اتأكد اذا كان نور قد لمحني من داخل الصالون، إذ انه تاخر عن اللحاق بي، مما اضطرني للعودة نزولا باتجاه شارع عيادات الوكالة والسوق حيث صالون ماهر واستوديو اشرف ومحلات طالب الكوع ، وعند مفرق الطرق لم استطع المكوث مطولا بانتظار صديقي نور، فثمة مجموعة من شباب التنظيم يتوشحون بالكوفية على اكتافهم، كانوا متحملقين حول موقد النار [التنكة] على باب المحل يتسامرون ويغنون اغنية ابو عرب الشهيرة " يا يما لو جاني العيد...كان سماع هذه الاغنية في جنبات المخيم احد اهم طقوس المخيم في ليلة العيد..طبعا بعد الطقس الاثير الذي يمارسه اطفال المخيم وهم يرددون اغنيتهم الاثيرة:" بكرة العيد وبنعيد، وبنذبح بقرة السيد، والسيد ماعنده بقره، بنذبح بنته هالشقرة، والشقرة مافيها الدم، بنذبح بنت العم". من على مثلث السوق حيث محلات "الكوع" كان من السهولة بمكان تمييز صوت محمد هويدي وهو يصدح بموال اغنية ابو عرب "يايما لو جاني العيد" بصوت عذب وحزين، وبحة تحمل في طياتها كل اوجاع الحنين، تلك البحة في صوت هويدي كانت ومازالت ذات وقع واثر لا يزول: قالوا إجا العيد قلت العيد لأصحابوا شو بينفع العيد للي مفارق حبابوا .. آآخ يا يما العيد يا يما لما بلادنا بتعود وأرجع عأرض الوطن وأبوس ترابه كانت كلمات الموال المنبعثة بصوت هويدي المبحوح تاخذ طريقها الى اذان كل من يسترق السمع من على باب المحل، وليس الاذان وحسب، بل العيون والروح ايضا؛ فللعيون مآقيها؛ إذ انّ أكثر حبات الدمع وجعا في هكذا حالات لم تكن تخرج من العين، بل من مآقي الروح. تماما كصوت الناي المقطوع من الغاب. اما بقية كلمات الاغنية كانت تتجاوز مدى الباب الى افق اوسع وارحب...فصوت المجموعة المرافقة لهويدي ولفرط حماستها كان صوتها يطغى على صوت المغني... كان صوت هديرها قد سمح لي ان اشترك بالغناء معهم عن بعد...كنت اردد واغني معهم: يايما لو جاني العيد يما يا يما، ومافي عيد بيسعدني وآني عن دياري بعيد يما، يا يما ومالي حدا يعايدني يايما لو جاني العيد إسألتو وين الغوالي الناس بتلبس ثوب جديد يمايا يما وشيلي من الردم اطفالي ويا يما لو جاني العيد، وعيدي يما على حدودي الناس تعيد إيد بإيد يما، يا يما وانا بمسح باوردي ويايما لو جاني العيد، ومافي عيد يفرحني آي وآني عن دياري بعيد يما، يا يما وبعد حبابي جارحني ويا عيد ايش جاباك اليوم، ومالي قلب يضحكلك وكنت عليي مابتلوم يما يا يما ولو متلي مفارق اهلك كنت اعرف جيدا سبب اجتماع تلك المجموعة عند محلات الكوع، واستأنست بصوت غنائهم وبقيت استرق السمع لاصوات غنائهم وانا اذرف الارض ذهابا وايابا تحت متعة حبات المطر ولوعة الانتظار. ورغم الفرح والأُلفة التي غمرتني جراء غنائهم ، إلا انني إنزعجت لامرهم، فهم لم يتقيدوا بتوزيع المجموعات على مناطق المخيم المحددة اولا، وثانيا كانت تشير التعليمات الى توزيع المجموعات الى فردين فقط، وثالثا كانت التعليمات صارمة بعدم الخروج لشوارع المخيم قبل الثانية فجرا، ورابعا تقتضي طبيعة المهمة لبس الكوفية كغطاء للراس مع اخفاء الوجه؛ وخامسا يستلزم لنجاح المهمة ان يرقب احد افراد المجموعة الشوارع الرئيسية لمنطقته ذهابا وايابا قبل الشروع بتنفيذ المهمة، بينما هؤلاء الاحبة جالسين ومجتمعين ويغنون بشكل يسترعي الانتباه ويلفت النظر، وفي مكان معروف جدا، حتى انه اشهر من نار على علم، فهو احد امكنة وملتقيات ابناء التنظيم الرئيسية في المخيم، وصاحب المحلات احد مرجعيات التنظيم وقياداته المعروفة والمشهورة والتي يشار اليها بالبنان... وصل نور ولكنه لم يصل!؟ تسمر نور عند عمارة سليمان العجوري، واستظل بنورها حتى اراه، او ربما لاستمتاعه او اضطرابه من سماع اغنية ابو عرب " يايما لو جاني العيد".. كان من السهل رؤيته، فقد كان الشارع خاليا إلا من اصوات حبات المطر على الواح الزينكو وصدى العيد القادم من اغنية ابو عرب. لمحته سريعا واشرت اليه بالمسير باتجاهي وانطلقت باتجاه مثلث المدارس/الصيدوني/الجاعورة. لحق بي نور عند مخيطة الراعوش بالتمام. سرنا بخطوات متلازمة حتى وصلنا محلات تغاريد للافراح والمطبقنيات، وما ان وقفنا مقابل المحل حتى بدات بالغناء بصوت مرتفع :" ياعيد ايش جابك اليوم" فجاء الينا احد الملثمين بالكوفية وطرح علينا السلام واتبعها ب" عيدنا عودتنا"، كان غنائي ب" ياعيد ايش جابك اليوم" يشكل الشطر الاول من كلمة السر، وكان لطرحه السلام علينا والرد بشعار " عيدنا عودتنا" يمثل الشطر الثاني من كلمة السر، وكان من جملة ما يعني هذا اللقاء وتلك الرموز ان كل شيء على مايرام، وان الخطة تسير كما ينبغي، واخرج من داخل سترته كيسين اسودين، فسلمنا اياهما ومضى حتى غابت خطواته في الطريق. سريعا زلفنا بشارع فرعي يقع خلف محلات فيديو فاتن وصيدلية البس، تفقدنا محتويات الكيسين، كان احدهما يحتوي اربعة علب دهان "رش سبريه" ومسدس!!، والكيس الاخر ماعون ورق كبير [مناشير] ، كانت المهمة تقضي ان اخذ علب الرش والمسدس، بينما يتولى نور امر المناشير. لم اكن اهوى حمل المسدس ولا اقوى على ذلك، وكان صديقي نور يعرف السر في ذلك، فاودعته المسدس ومضينا بتنفيذ مهمتنا.

تحاشينا المرور من امام محلات الكوع، وابتعدنا عن مفرق الطرق ذاك، وولجنا من شارع فرعي موازي للشارع الرئيسي، تفقدنا الشوارع وامكنة المهمة المتعددة والمرصودة مسبقا[ وهذا ما نسميه التشييك النهائي]، ساعدتنا زخات وصوت قرقعة الزينكو من جراء تساقط حبات المطر على توفير الاجواء المثالية لتنفيذ المهمة. شرعت بتنفيذ مهمتي بكتابة مجموعة من الشعارات على الجدران، وكذلك الامر مع نور. كانت مهمة نور معقدة اكثر، فقد كانت مهمته تقتضي بتوزيع المناشير على ثلاثة امكنة وبشكل متكرر، بحيث تغطي جميع المنطقة الموكلة الينا بتنفيذ المهمة فيها؛ تعليق المنشور على زجاج السيارات تحت المساحة، والثانية قذفه داخل منازل ومحلات تجارية معينة، والثالثة نثر مجموعة كبيرة من المناشير على الارض عند كل مفرق طرق رئيسي. وفي اجواء ماطرة كهذه كانت المهمة الثانية والثالثة ضرب من العبث، ومع ذلك فعلها نور، وتفرغ لمرافقتي، بدات اخط الشعارات بخط جميل ومتعوب عليه، كانت الشعارات تقول من جملة ماتقول:"عيدنا عودتنا، الفكر ينبع من فوهة البندقية، البندقية الغير مسيسة قاطعة طريق، العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد، الوحدة الوطنية طريق النصر، لسنا يمين ولسنا يسار كلنا ابو عمار، نعم لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، نعم ل م.ت.ف، القدس عاصمتنا الابدية، فتح ديمومة الثورة والعاصفة شعلة الكفاح المسلح، يشهد الله جراحنا من جراحك يا عمان، نعم للكفاح المسلح، فلسطين ليست بعيدة ولا بالقريبة... انها مسافة الثورة، بدفتري وقلمي ونار بندقيتي سارفع العلم، ابو جهاد: اول الرصاص اول الحجارة، بالروح بالدم نفديك يا فلسطين، ابو عمار صرح تصريح... يا جبل ما يهزك ريح، عهدا للشعب والقائد ان يكون عيدنا يوم عودتنا، المجد والخلود لشهدائنا الابرار، الانتفاضة مستمرة، الفتح لا ينسى دماء رجاله وغدا ستثأر لي عمالقة الجبال، نموت ليعيش شعبنا ولتحيا فلسطين، نموت واقفين ولن نركع، الفكر ينبع من فوهة البندقية، الارض للسواعد الثورية التي تحررها، اللقاء فوق ارض المعركة، لا للحل السلمي لا ... نعم للبندقية، لن نركع مادام فينا طفل يرضع، لا نامت اعين الجبناء، كل شبل كل زهرة... في صفوف الشعب ثورة، نعم للوحدة الوطنية، فتح من الله ونصر قريب، انا فتحنا لك فتحا مبينا، اذا جاء نصر الله والفتح، نعم للقيادة الوطنية الموحدة، ما اخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة، نعم للدولة الفلسطينية المستقلة، حين يبتسم المخيم ...تعبس المدن الكبيرة، ثورة حتى النصر. فتح مرت من هنا....".

كان لزاما علينا في العيد ان نكثر من كتابة شعار "عيدنا عودتنا" وبالذات على مفارق الطرقات وعلى جدران ملعب النادي حيث مصلى العيد الاثير والمثالي، كان هذا الشعار [عيدنا عودتنا] قصيرا وكثيف المعنى وسهلا وسريعا يملأ جنبات المكان، والمهم انه كان يعني دائما ان فتح مرت من هنا، وفي ذلك رسائل كثيرة، اهمها: ان رصاص فتح يمكن ان يصل حيث تصل الكلمات!!؟؟. يتبع ١-٦

2023-04-29