الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حزب مباي والحكم العسكري ....تميم منصور
حزب مباي والحكم العسكري ....تميم منصور

 بعد أن استقر الأمر في حزب مباي مع بداية الخمسينات من القرن الماضي على فرض الحكم العسكري ، لإشباع غريزة رئيس الوزراء بن غوريون آنذاك ، ومن حوله من الداعمين لسياسة الترانسفير ، طلب موشه ديان ان تبقى فرضية طرد العرب من وطنهم قائمة مهما تغيرت الظروف ، حول هذا الوضع وخصوصية الحكم وتبعاته الاجرائية القاسية ، من منع للتجوال وفرض طوق امني حول القرى العربية ، والانتقام وملاحقة القوى والعناصر الوطنية ، وغيرها من الملاحقات ، جرى نقاش شبه يومي بين المعسكرين المتشدد والاقل تشدداً حول فعالية هذا الحكم غير الانساني في عدم اهميته لحفظ أمن الدولة .

وقد كشفت ارشيفات حزب مباي بأن هذا النقاش لم يتوقف بين قادة حزب مباي – العمل حالياً ، وإن هؤلاء القادة حرصوا على منع تسرب المعلومات عن مواقفهم التي تشبه مواقف النازيين ، ليس فقط من المواطنين العرب ، بل أيضاً غالبية شعوب العالم لأن الحركة الصهيونية اتهمت الجميع بعدم وقوفهم الى جانب اليهود أثناء المذابح التي ارتكبت بحقهم من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية ، كانت خشية هؤلاء القادة بأن تسرب المعلومات عن نوايا قادة هذا الحزب بطرد المواطنين العرب ، يسبب الحرج سواء كان الأمر امام احزاب اليسار المحلية وامام دول العالم ، لأن اسرائيل منذ قيامها كانت تدعي بأنها أول دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط ، وانها قررت بأن المساواة بين جميع المواطنين فيها عرباً ويهوداً هي السقف الذي يغطي سماءها وأرضها .

 لكن ثبت بان خداع الرأي العام المحلي والعالمي شيء ، والحقيقة شيء آخر ، فقد تأكد بأن جميع قادة حزب مباي - العمل حالياً - لم يلتزما بوعودهم ، وان نواياهم الحقيقية ، تعبر عن عنصريتهم ، فاعلانهم عن المساواة كان للاستهلاك الاعلامي ، لأنهم قرروا من خلال اجتماعاتهم السياسية داخل الحكومة والحزب ، بأن المساواة لن ولم تتوفر بين العرب واليهود داخل حدود الدولة ، في يوم من الايام لسوف يتجاوزون هذه الوعود عاجلاً وآجلاً فحتى اليوم فان شعبنا كما كان ، لا زال يعاني من التمييز القومي في كافة مؤسسات الدولة الأمنية ، والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية . ومن أجل كشف المزيد من فضائح حزب مباي العنصرية ، لا بد من تحديد مواقف العديد من قادة حزب مباي ، خاصة من مسألة الحكم العسكري ، الذي كان ولا زال وصمة عار في دولة ادعاء الديمقراطية والمساواة . كما ذكرنا سابقاً فإن الانقسام بين قادة هذا الحزب ارتكز حول عدة قضايا .

القضية الأولى : طرد المواطنين العرب ودفعهم وراء الحدود ، بكافة الطرق والوسائل ، بعد ذلك انتقل النقاش حول مصداقية فرض الحكم العسكري ، واستمرار العمل بقوانينه وممارساته قدر المستطاع ، رئيس الوزراء بن غوريون شيخ العنصريين ، لقد رفض حينه حمل بطاقة هويته الشخصية بسبب وجود بعض الكلمات كتبت باللغة العربية ، كما يفرض القانون ، شيخ العنصريين هذا وقف في مقدمة من حملوا الوية الترانسفير ، ومن ثم دعم كل القرارات بفرض الحكم العسكري .

حكم قاسي بغيض على شريحة متعبة ضعيفة ، تمثل بقايا شعب ، تم اجبارها على الرحيل من وطنه ، تحت تهديد السلاح ، هذه الشريحة كانت مذعورة محاصرة مجردة من السلاح ، تعاني من الفقر والجهل ، وغياب القدرات المالية والعلمية ، ادخلها تواطؤ العرب الى عالم النسيان ، ذنبها الوحيد أنها رفضت الرحيل واللحاق بمن شردوا ، ولا زالوا منذ سبعين عاماً ، يجلسون فوق حقائب العودة . لم يترك بن غوريون صفة سلبية إلا واستثمرها وتمترس وراءها كي يدافع عن مواقفه بضرورة بقاء الحكم العسكري حينما طالب البعض بالغائه ، لأنه ادانة لاسرائيل عبر التاريخ ، لقد اعتبر الغاء الحكم العسكري منح حرية التحرك للمواطنين العرب ، وشبه هذه الحرية ، بحرية البغال والحمير بعد فك اربطتها التي تقيدها ، وقد حذر زملاءه ، بن ابطال هذا النظام يعني نهاية وجود اسرائيل . أما موقف شموئيل ديان ، والد موشه ديان ، وقد كان أحد أقطاب حزب مباي فقد حذر حزبه خلال الاجتماع الذي عقد يوم 1/1 / 1951 ، بأن بقاء العرب في الدولة يشكل خطراً على وجودها ، وطالب بالتشديد على استخدام قوانين الحكم العسكري ، لأن اختلاط المواطنين العرب مع المواطنين اليهود في العمل أو الشارع ، فيه تشويه لاخلاق كل يهودي . اما موقف موشه ديان ، الذي شغل في حينه قائداً للمنطقة الجنوبية ، ورئيساً للأركان فيما بعد ، موقفه يعبر عن جوهر الصهيونية العنصري ، كان شعاره دولة بدون عرب ، كما رفض منح المواطنين العرب مواطنة ثابتة أو أي نوع من المواطنة ، كما رفض منحهم اي نوع من التسهيلات الحياتية ، بما فيها حرمانهم من حقهم في التعليم بالمدارس ، كما اعتبر وجودهم مؤقت .

اما موقف زلمان آران من الحكم العسكري ، فكان مغايراً لموقف بن غوريون وبيرس وديان وآخرون ، آمن زلمان آران ، بأن استمرار الحكم العسكري ، يعني محاصرة المواطنين العرب داخل غيتوات ، وهذا لم يحافظ على أمن الدولة العكس هو الصحيح ، فإن شدة الضغط على المواطنين العرب تولد الانفجار وتدفعهم للتمرد ، ولا يمكن المقارنة بينهم وبين المواطنين في الجزائر ، لقد رفض زلمان آران موقف المتشددين داخل الحزب ، الذين طالبوا باعتبار المواطنين العرب مواطنين من الدرجة الثانية ، وقد انتقد نفسه لأنه وافق في البداية على ذلك ، كما انتقد جميع قادة الحزب الذين وافقوا على اعتبار العرب مواطنين من الدرجة الثانية ، واتهم بن غوريون الذي طالب باعتبار العرب طابوراً خامساً بقوله : انني أخجل بمثل هذا الزعيم ، اتهم زلمان آران حكومة بن غوريون بأنها تتستر على جرائمها بحق العرب ، لأنها تخجل من رفض الرأي العام العالمي لسياستها . أما موقف شمعون بيرس فهو لا يختلف عن موقف معلمه الأول بن غوريون ، لقد قال بيرس في الاجتماع الذي عقده حزب مباي يوم 5/1/1962 من ابلغكم بأن العرب يرفضون الحكم العسكري ، انهم راضون عن هذا النظام ، لأنه يحميهم من المتطرفين اليهود ، في نفس الوقت هم أي العرب وحدهم المسؤولين عن فرض الحكم العسكري ، بسبب تهديدهم لأمن الدولة بصورة دائمة ، وما دام هذا الخطر قائم يتوجب علينا عدم ابطال هذا النظام الحيوي لأمن اسرائيل .

أما موقف ليفي أشكول ، الذي تم الغاء الحكم العسكري عندما كان رئيساً للوزراء ، فقد أعترف أثناء احدى الاجتماعات لحزب مباي ، بأن الكراهية بين اليهود والمواطنين العرب بسبب سياسة حزب مباي ، وبسبب الحكم العسكري ، أصبحت من واقع حياتنا ، وانني لم أعد استغرب فيما اذا ام مواطن يهودي بذبح مواطن عربي بدم بارد بسبب هذه الكراهية ولا استغرب اذا رفض اي مواطن يهودي تأجير حظيرة وغرفة لأية مواطن عربي ، بسبب جذور الكراهية التي زرعها حزب مباي . لكن أكثرما يلفت النظر موقف العضو في قيادة حزب مباي ويدعى ايسار هرئيل ، الذي شغل رئيساً للشباك في بداية الخمسينات رئيساً للموساد فيما بعد ، اعترف بعد استقالته من رئاسة الموساد ، بان الحكم العسكري لا يخدم امن الدولة بأي شيء ، لذلك لا حاجة لوجوده ، وأنه من حق المواطنين العرب التخلص من قبضة الجيش .

اعترف ايسار هرئيل بهذه الحقائق لصحيفة معاريف في عددها الصادر يوم 10/7/1966 ، وقال بأنني لا أنسى الضغوط التي كنت اتعرض لها من بن غوريون ومن شمعون بيرس من أجل كتابة تقارير تفيد بدور الحكم العسكري في حماية أمن الدولة ، واعترف بأن هذه التقارير كانت بعيدة عن الواقع . السؤال الذي يطرح نفسه ، هل هناك أحد ما زال يؤمن بمركز بيرس للسلام الذي خدع العديد من القادة والزعماء العرب سنوات طويلة .