الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
معضلة العنف و الهمجية في الصراعات الفكرية الإسلامية...نهاد الزبير
معضلة العنف و الهمجية في الصراعات الفكرية الإسلامية...نهاد الزبير

في حديث عن العنف الذي أصبح يطغى على الصراعات الفكرية الإسلامية، أشار المفكر الإسلامي المغربي كمال ازنيدر إلى أنه "إذا أمعنا النظر في الإنتاجات الفكرية للعالم الإسلامي، فسنجد أنها إنتاجات لا تساهم في تقدم البشرية بل تساهم في تخلفها و دمارها".

و تأسف كون "العالم الإسلامي لم يعد ذلك العالم المتميز في العلوم و التكنولوجيا و الفلسفة و أصبح مع كامل الأسف عالما، أغلب إنتاجاته دعوة إلى القتل و الضرب و اللعن". و أكد على أن "مسلموا آخر الزمان أهملوا العلوم و التكنولوجيا و الفلسفة و لم يبدعوا سوى في فتاوي القتل و الجهل". بالنسبة له، "لقد أكثروا من تكفيرهم لبعضهم البعض و إحلالهم لدم بعضهم البعض حتى أصبح الكل مهدد بالقتل. في أحسن الأحوال، بالسجن و الضرب". و أضاف أن "إرهابهم لا يشكل خطرا على الكافر و المرتد فحسب. إرهابهم لم يسلم منه خيرة علمائهم و مفكريهم الذين قتلوا و أحرقت مؤلفاتهم لا لشيء سوى أنهم قالوا برأي يخالف رأي الغالبية. من كثرة ما أبدعوا في فتاوي العنف فقد صاروا يفتون فتاوي غريبة و مضحكة". و أعطى المثال بقول أشهب بن عبد العزيز القيسي الذي قال : "سألت مالكا عمن يحفي شاربه فقال : أرى أن يوجع ضربا". و تابع مؤلف كتاب "الإسلام، أجمل ديانة في العالم" : "مالك للإشارة هو بمثابة الأب الروحي لكل المالكيين. أفتى بقتل الإباضية و القدرية. و قياسا على فتواه، أفتى أتباعه بقتل العديد من خيرة العلماء و المفكرين الأشاعرة، و على رأسهم مفخرة الفكر الإسلامي إبن رشد، و أمروا بإحراق كتبهم و تعنيف تلامذتهم". و أضاف : "مالك لم يكن يفتي بقتل الإباضية و القدرية فحسب، بل كان يطعن بشدة في أبي حنيفة كما كان يطعن في العديد من الأئمة العظام في زمنه. فكما أخبر عبد الله بن عدي في كامله أن مالك سئل عن رأيه في أبي حنيفة، فأجاب : الداء العضال، الهلاك في الدين ؛ و أبو حنيفة من الداء العضال". "عدوى مالك هذه"، أردف قائلا، "لم يسلم منها تلامذته و بقية المدارس الفقهية. فلما ظهرت المدرسة الشافعية، تحامل عليها الأحناف و المالكية. و كان الفقيه المالكي المصري أشهب بن عبد العزيز القيسي يدعو في سجوده بالموت على الإمام الشافعي. و تلامذته حرموا الصلاة خلف الشافعية. و وصل التعصب المذهبي ببعض المالكية إلى حد إتهام معتنقي المذهب الشافعي بالردة و إباحة دماءهم و أموالهم". و تابع سرده للأحداث المأساوية للصراعات المذهبية : "أما الأحناف فكانوا يحرمون الزواج من الشافعية و الأكل و الصلاة معهم. كما دخلوا في حروب ضدهم أودت بحياة العديد من الأرواح و حرق فيها العديد من الجوامع و المساكن و الأسواق. نفس العداوة و الأحداث المأساوية ستتكرر مع الحنابلة". و أضاف : "و لما ظهر إبن تيمية، من العلماء من إتهمه بالزندقة و منهم من إتهمه بالكفر. و بدمشق، أجمع العلماء على "من كان على دين إبن تيمية حل ماله و دمه". و سنين طويلة بعد مماته، قال فيه إبن حجر الهيتمي : و إياك أن تصغي إلى ما في كتب إبن تيمية و تلميذه إبن قيم الجوزية و غيرهما ممن إتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم، و ختم على سمعه و قلبه و جعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، و كيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود و تعدوا الرسوم و خرقوا سياج الشريعة و الحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هذى من ربهم و ليسوا كذلك". و أكد كمال ازنيدر على أنه "هكذا كان الحال كلما ظهر فكر جديد، و هكذا سيظل في مجتمعاتنا الجاهلية ! كلما عبر شخص عن رأي مخالف لرأي الغالبية، كلما تعالت الأصوات بالشتم و التهديد. فأصحابها تربوا على الهمجية و لم يفقهوا من الدين سوى اللعن و الضرب و القتل و نسوا أن الإسلام تحضر يدعو إلى الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتي هي أحسن". ثم أشار أن "الإسلام يدعو إلى قتل القاتل و قطع يد السارق و جلد الزناة و تطبيق قانون تاليون. لكنه لم يدعو يوما إلى ضرب أو سجن أو قتل إنسان لمجرد أنه عبر عن رأي مخالف لرأي الغالبية أو أنه إرتد عن الإسلام أو أنه إنتقد ديننا و إستهزء بمعتقداتنا". و إختتم مؤلف كتاب "الإسلام، أجمل ديانة في العالم" حديثه عن العنف في الصراعات الفكرية الإسلامية بالقول : "في هاته الحالات، الإسلام يأمر بمجادلة الآخر بالتي هي أحسن و دعوته إلى ديننا بالحكمة و الموعظة الحسنة. و إذا ما تبين أنه من الجاهلين الذي لا ينفع معهم نقاش، فالدين يأمر بالإعراض عنهم و تركهم و ما يفترون. أما هذا العنف و هاته الهمجية اللذان أصبحا القاعدة في الحوارات الإسلامية، فالإسلام بريء منهما براءة الذئب من دم إبن يعقوب".