الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الصراخ في حكومة نتانياهو بقدر وجع صفقة الأسرى القادمة...جبريل عوده
الصراخ في حكومة نتانياهو بقدر وجع صفقة الأسرى القادمة...جبريل عوده

 فشلت قوات الإحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافها المعلنة  للحرب على قطاع غزة , وأبرز تلك الأهداف القضاء على المقاومة والتخلص من أنفاقها الهجومية , توقفت المعركة الميدانية والمواجهة المباشرة بالرصاص والصواريخ والقذائف , وبدأت معركة من نوع آخر , ذات بعد أمني واستخباراتي ميدانها التفاوض غير المباشر مع المقاومة الفلسطينية , بعد أن وقع عدد من الجنود الصهاينة خلال الحرب , في الأسر لذا المقاومة الفلسطينية , خلال الثلاثة أعوام الأخيرة  برع إعلام المقاومة في إظهار ضعف قيادة الإحتلال في التعاطي مع مسألة الجنود الأسرى بغزة , بعد أن أسقطت المقاومة الرواية الصهيونية الرسمية حول ما جرى مع الجنديين الأسيرين هدار جولدين وأوري أرون , وفتحت بذلك باب الجدل واسعاً في كيان الإحتلال الصهيوني , وإنصبت الإتهامات على قيادة الإحتلال بالتفريط بالجنود , وتركهم في قطاع غزة بيد المقاومة دون عمل أي شئ يضمن عودتهم إلى ذويهم .

 

مما لاشك فيه بأن قضية الجنود الأسرى تحظى بإهتمام كبير من الفلسطينيين , لإرتباطه بملف تحرير الأسرى من سجون الإحتلال , وخاصة أصحاب المؤبدات والأحكام العالية , لذا تحرص المقاومة الفلسطينية كل الحرص , على إدارة هذا الملف بتروي وعدم إستعجال من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب , في مسألة تحرير الأسرى من زنازين الإحتلال الصهيوني, وثقة الشعب الفلسطيني وأسراه في المقاومة عالية , حيث الشعور بالاطمئنان بأن الفرح والفرج قادم بإذن الله, وأن حرية الأسرى مسألة وقت , والأمر يحتاج إلى صبر وحكمة في إدارة المعركة التفاوضية مع الإحتلال.

 

دارت تلك المعركة الأمنية التفاوضية العنيدة بين المقاومة الفلسطينية وكيان الإحتلال , حيث حجبت المقاومة أي معلومات عن مصير الجنود الأسرى , بشرط إطلاق الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار , والذين تم إعتقالهم في مخالفة صريحة لاتفاقية الصفقة , وأعلنت المقاومة بأن لا حديث أو حوار عن الجنود الأسرى , الا بالإفراج عن جميع من تم إعتقالهم من محرري صفقة شاليط ويقدر عددهم(200) أسير , الا أن المفاوضات على ما يبدو تعثرت لعدم جاهزية حكومة الإحتلال دفع الثمن المطلوب , وسط تهديدات بإنحلال عقد الإئتلاف الحكومي اليميني الحاكم , حيث يشترط حزب نفتالي بينت " البيت اليهودي " أن تتم أي صفقة وفقا  لمعايير لجنة شمغار ( جندي مقابل أسير ولا تبادل أحياء مقابل جثث) –  تلك اللجنة عينها وزير الحرب السابق ايهود باراك ، برئاسة رئيس المحكمة العليا الأسبق مائير شمغار-, وكما تعالت أصوات وزراء الكابينت رفضاً لإجراء الصفقة , هذا الجو من التصريحات العنترية التي ترفض عقد صفقة تبادل للأسرى , لها خلفيات وأبعاد إنتخابية وتنافس حزبي , ومن باب وفرض عضلات على رئيس الحكومة الصهيونية نتانياهو المهزوم نفسياً , وقد أصابته لعنة شاليط كما تلاحقه قضايا الفساد , والذي يخشى من إنهيار حكومته وخروج من المشهد السياسي الصهيوني .

هذه الحالة من عدم قدرة المستوى السياسي الصهيوني على إدارة ملف الجنود الأسرى , حيث يسود التخبط  داخل حكومة نتانياهو , وتتضارب تصريحاتها ما بين حرصها على عودة الجنود, وما بين رفضها دفع ثمن ذلك , عجلت هذه الضبابية بإستقالة الجنرال ليؤر لوتان مسؤول ملف الجنود المفقودين المكلف من حكومة الإحتلال , حيث إصطدمت جهوده ومحاولاته باللاءات المعلنة من  السياسيين في حكومة نتانياهو , وعدم قدرته على التفاوض لتنفيذ الشرط المبدئي للمقاومة, بالإفراج عن أسرى صفقة شاليط قبل الحديث والتفاوض في ملف الجنود الأسرى بغزة , الا أن إستقالته أعادت ملف الجنود الصهاينة الأسرى في غزة , إلى واجهة الأحداث في كيان الإحتلال , حيث أعلن وزير الحرب الصهيوني ليبرمان بأنه لن يسمح بصفقة شاليط ثانية في عهده , في المقابل ردت عليه والدة الجندي شاؤول مستهزأة : المجد لدولة (إسرائيل) التي يشجع وزير دفاعها التخلي عن جنود الجيش , وقد وصفت ليبرمان بأنه لا يجيد سوى الكلام لا الأفعال , كما جاء الرد من داخل حكومة الإحتلال عبر وزير الإسكان يوآف غالانت بعدم موافقته على تصريحات ليبرمان قائلاً " هذا كلام لن يصمد على أرض الواقع " , إستطاعت المقاومة أن تلقي الكرة في الملعب الصهيوني , وها هي كرة الجنود الأسرى يتم تقاذفها ما بين الوزراء الصهاينة وما بين عائلات الجنود الأسرى , الذين يطالبون بتعيين منسق جديد بدل ليؤر لوتان لإدارة ملف المفقودين والتفاوض مع المقاومة , كما دعوا لتغيير معادلة التعامل مع حماس والضغط عليها للتوصل إلى إتفاق , مع مطالبتهم بإجراءات عقابية إلى حين عودة الجنود الأسرى , كل هذه التصريحات تكشف عن أن المسار المفضل لعوائل الجنود الأسرى هو التفاوض وإنجاز إتفاق يفضى لعوده الجنود , وهذا الرأي العام يخالف الرأي الغالب في حكومة نتانياهو , فهل تساهم قضية الجنود الأسرى وعدم مبالاته الحكومة بمصيرهم في سقوط حكومة نتانياهو؟ .

يتضح من المشهد الصهيوني بأن المقاومة تتمترس حولها شرطها الأول , ولا تتعجل إجراء صفقة تبادل جديدة , الا بعد أن يتم معالجة الخرق الصهيوني لاتفاقية التبادل وفاء الأحرار التي جرت برعاية مصرية , والمقاومة كما أعلنت لن تعطي أي معلومة عن أسرى الإحتلال الا مقابل ثمن تحدده هي , وبذلك تفرض المقاومة شروطها من موقف القوة التي تمتلكها في صندوقها الأسود , ولن يطول الوقت حتى يأتي الإحتلال صاغراً , ويرضخ لمطالب المقاومة وينفذ شروطها .

كاتب وباحث فلسطيني

28-8-2017