الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإمتلاك أو الوجود لإيريك فروم
الإمتلاك أو الوجود لإيريك فروم

نُشر للباحث المغربي د. حميد لشهب، عن جداول للطباعة والنشر ببيروت، ترجمته لأشهر كتاب للمحلل النفساني الألماني إيريك فروم "الإمتلاك أو الوجود. الأسس النفسية لمجتمع جديد". عادة ما تُرجم المصطلح الفرومي Sein بـ "الكينونة"، وهي ترجمة غير دقيقة، لأنها تُخلطه بالمصطلح الهيديغيري، ومن المعلوم أن هيدغر نفسه لم يحدد مفهوم "الكينونة Sein" الذي استعمله، بل ظل إلى حد ما مفهوما أجوفا، دون مضمون.

 

كان "الإمتلاك أو الوجود" آخر ما كتبه فروم قبل وفاته، ويعتبر عصارة فكره على الإطلاق، وقد لاقى نجاحا باهرا عند نشره في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. فقد حققت مبيعاته أرقاما قياسية وتجاوزت في ثمانينيات القرن الماضي 200000 (مئتين ألف) نسخة سنويا وما تزال إلى حد كتابة هذه السطور تفوق عتبة عشرة ألاف نسخة سنويا. لكن هذه الأرقام لا تعبر على النجاح التجاري للكتاب في المقام الأول، بل على الحاجة الماسة للفكر والإنسان الغربيين لمحاولة تجاوز الوضع الحالي واستمرار الثقافة والحضارة الغربيتين في المشي قدما في طريق هدم مستمر للذات وللآخر.

 

ذُيلت الترجمة بنص لراينر فونك، آخر تلامذة فروم والوارث الشرعي لتركته الفكرية، حيث يقول: " لم يجد الناس اليقظين في كتاب فروم تشخيصا للوضع الراهن فقط، بل أيضا محاولة تقديم بديل، فُهم كإرشاد للطريق، بعيدا عن التركيز على الإمتلاك ... تُجووِز تفاؤل نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهو تفاؤل كان عليه أن يقود إلى طريقة جديدة للحياة، من طرف فلسفة اقتصادية ليبرالية جديدة، حددت هدفها في الرغبة في المزيد من الإمتلاك. فقد نجحت هذه الفلسفة في القضاء على قيود التجارة والعملة والسوق لصالح المصالح الرأسمالية وليبيرالية الأسواق المالية".

 

كما يؤكد فونك على ذلك فإن المشكل الحقيقي لا يكمن في القدرات التقنية واستعمالاتها المختلفة، بل بتأثير هذا الإستعمال وتلاعبه بقدرات التفكير والإحساس وأخذ القرار والإرادة والتخيل للمُستعمِل. لا يتعلق الأمر في "الإمتلاك أو الوجود" بالقضاء النهائي على الأول، لأنه لا يمكننا العيش دون امتلاك أشياء لنعيش، بل بإشكالية تعلق الإنسان بكل ما هو مادي وتأثير هذا على تطوره النفسي والاجتماعي، الذي يُبنى أساسا على هذا المبدأ، حتى يُصبح الآخرون وسيلة للوصول إلى أشياء مادية، وتموت إنسانية الإنسان في مستنقع الإستهلاك المادي الأعمى والجشع.

 

تُساهم هذه الترجمة في فتح أفق شاسع للوعي العربي الإسلامي، لإكمال معرفته بالآخر وفهم البُنيات الفكرية التي تتأسس عيلها قوته الإقتصادية والأيديولوجية والروح الطماعة الجشعة التي توظفها الرأسمالية الليبرالية ضد الإنسان عموما، بل وضد الطبيعة في حد ذاتها. فإذا استمر الأمر على هذه الوتيرة، وهذه هي الرسالة العظمى لفروم في هذا الكتاب، فإن النوع البشري سينقرض، لأن شروط الحياة في كوكبنا ستنعدم. ولا يُعتبر هذا الأمر عند فروم تنبئا كارثيا بيوم "القيامة"، بل يؤسس قناعته هذه على مسلمات واقعية ملموسة.