الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
انفلونزا الوحدة/ هديل قشّوع شريقي

هناك، عند سفح جبال ذاكرتي العالية، ترفرف رايةً من زمرّد التواضعِ، وبين وديانِ النسيان يسير كبرياءٌ نقي، يُطربني بهديرهِ المتواضع، وبين الوادي وسفح ذلك الجبلِ الأخضر ينبت عصا الراعي، لراعٍ لم يرْعَها يومًا بندرتها وبحرّيتها..

نعم، أنا زهرةٌ دون بستان، لا تعيش إلّا بحرّيتها، الوطن أرضها، والسماء نجواها، تأبى أن تنبت إلّا حُبًّا.

انا تلك الزهرة الّتي أخرَجَت ساقَها من بطنها، فتُوّجتْ على بساطٍ من ذهبٍ أخضر، نبضت ببياضِ قلبٍ ناصعٍ، وبكبرياء البنفسجِ المتواضع وزمرّدِ ايامٍ عاتية.

عندما نسيت طفولتي بين ثنايا أيلول، عند حافة يوم الأحد، نسيت حذائي الأحمر هناك، وقدِمتُ حافية القدمي، سأرجع عند انتهاء اللعبة، فحذائي لا زال جديدًا، ولا أريده أن يتلطخ باللعب، ومن سرعة الجري لم أنتبه لأمريْن؛ لونُ قدميَّ والوقت.

توقّفت لبرهة عند محطة الانتظار، كانت تضجّ بالمسافرين. ترتكتهم وأسرعت حتى سبَقت قطار الوقت، وعندما تعبت ساقاي، جذّفت بقارب من خشب، ووصلت الضفةَ الأخرى من النهر، وعلى مقعد خشبي انتظرت الحافلة.

استيقظت على صوت الفرامل، ورائحةُ العطر تعم المكان، والحقائب المرتبة، والشعر المتناسق..

ضجيج أحذية النّساء ذكرني بحذاء الطّفولة المنسيّ، على جانب الطريق في محطة الانتظار، ولم أخجل من لون قدميّ المتورّمتين، فأنا أدرك أنّ السلاحف أشدُّ خبرة بالطرقات من الأرانب.

 صارت لديّ حصانة من أنفلونزا الوحدة، ومن ضيق صدر المحاولات، وطائرتي تطير دون انتظار أحد، طالما كان وقتي من ذهب، فليس العيب في الأحذية، إنما العيب في التربية.

وكيف لا؟

عجبا لدودة أرض تُقطّع إربًا وتحيا، من جديد في أرض قاحلة، تتعارك وسكون الليل..

تركوها..  تكاثرت.. ركضت نحو نقطة ماء حتى ارتوت،  وانتظرت شتاءً بعد شتاء، عله يأتي البعيد.

تلاصقت وتكاثرت،  وانشقت الأرض طوعًا، والليل الأسود تجلّى بعنفوانه، ودودة الأرض لا زالت تتماسك في قعر الأرض، كبذرة ستنمو يومًا ما.. وكيف تنمو؟ 

انشقّت الأرض، رسمتْ خريطة أيّام، وزاغت خيوط الشمس في أحد خطوطها. أنبتت، أشرقت واشرأبّت حتى أصبحت سنديانة .

تعلو السنديان، ويخجل ضوء الليل من عنفوان إصرارها، ومن ضجيج إرادتها..

كيف لا.. وكيف لا.. وكيف...   ؟؟

2020-04-12